الاثنين، 17 نوفمبر 2014

لا مشتري للبضاعة الفاسدة

::
أرسل لي معلق/ة في البوست السابق فيديوكليب في اليوتيوب على هذا الرابط وطلب/ت مني التعليق عليه. والفيديو باللغة الإنجليزية مع ترجمة عربية ويحتوي على إنتاج جيد وبروفشنال برأيي، من الواضح أنه يستهدف تسويق الدين الإسلامي في المجتمعات الغربية.

ورغم أن الفيديو قصير لا يتعدى الستة دقائق في طوله، إلاّ أني قاومت الملل والتثاؤب بصعوبة لكي أشاهده حتى النهاية، فجميع الحجج المطروحة فيه لإبراز الدين الإسلامي وتمييزه عن غيره من الأديان كالدين الوحيد الصحيح هي حجج واهية ومكررة اعتدنا على سماعها في المدارس الإبتدائية والمتوسطة، وربما كانت تؤثر على تلاميذ ماقبل الأنترنت في الزمن السابق ولكنها لم تعد تقنع أحد اليوم في عصر العلوم والمعلومات المفتوحة، بدليل أن عدد المشاهدات لهذا الفيديو يادوب تجاوز الألفين رغم وجوده على اليوتيوب لسنة ونصف.

لن أتناول محتوى الفيديو بأكمله لأن محتواه ممل في الحقيقة، إنما سأعلق على بعض النقاط فيه.

الفيديو يطرح مجموعة من التساؤلات النابعة من المنظور الإسلامي، الهدف منها تقويض  وزعزعة المبادئ والمفاهيم التي تكون قوام الديانات الأخرى وإبراز الإسلام كدين أكثر منطقية ومعقولية من غيره، ولكن حيث أن الإسلام دين لا يختلف في أساساته البشرية بكل عيوبها ونواقصها عن غيره من الأديان، فالفيديو يعج بالمغالطات والحجج الهشة الساذجة. أول سؤالين يطرحهما المتكلم في أول دقيقة فيه هما:

هل تسائلت أيها الإنسان لماذا تؤمن بما تؤمن به؟
هل تسائلت لماذا اخترت الدين الذي تمارسه؟

والزلة المشينة هنا هي أن نفس هذه الأسئلة ممكن أن تطرح على المسلم والإجابة ستكون نفسها بصرف النظر عن نوع الدين: 

البشر بجميع طوائفهم يؤمنوا بما تمليه عليهم ثقافة محيطهم، وهذا يشمل المسلمين كافة، فالذي يحدد اعتناق أي فكر أو عقيدة هي في الغالب عوامل لا إرادية وجغرافية محظة، وليست فكرية أو منطقية مدروسة وموزونة باختيار حر قبل تقبلها. فعندما يسأل المسلم المسيحي لماذا تؤمن بالمسيحية فهذا سؤال غبي، لأن المسيحي تجرع دينه بالضبط كما تجرعه المسلم، والإثنان لا يختلفان عن بعضهما في كيفية اعتنقاقهما للدين. فمحاولة إبراز أن المسيحي أو غيره قد اكتسب دينه بدون تفكير، كما يحاول الفيديو إظهاره، هي محاولة خداع سافرة بحجة بلهاء.

وفي الدقيقة الثانية، عندما يحاول المتكلم انتقاد الثالوث المسيحي بتفضيل الرب التوحيدي عليها، فهذه خداع آخر. فرغم رعونة وسخافة مبدأ الثلاثة آلهة في إله واحد، إلاّ أنه لا يوجد مانع منطقي لتعدد الآلهة. مالمانع من وجود ربين أو ثلاثة أو ألف أو مليار على الإفتراض الجدلي بوجود الرب؟ حجة اختلاف الرأي بين الأرباب التي يقدمها الإسلام هي حجة واهية تنزل الإلهة من المرتبة الربوبية إلى المرتبة البشرية بتشبيه سلوكيات الرب بسلوكيات الإنسان الذي يختلف مع غيره في الرأي وصنع القرار. تعدد الآلهة لا تعني بالضرورة اختلاف آرائها أو عدم إمكانيتها بالتعايش المنسجم مع بعضها، أليسوا آلهة؟ فهم إذا ً تعريفاً قادرين عل كل شيئ. فلا توجد حاجة أو ضرورة منطقية لانفراد الرب بنفسه، بل مبدأ التوحيد اختلقه ملوك اليهود في القرن الثامن قبل الميلاد لأهداف سياسية سلطوية محظة. 

وفي نفس الدقيقة، يلجأ المتكلم إلى مزعم تحريف الإنجيل بهدف تقويضه مقابل كمال القرآن، وتعامى عن الحقائق التي بات يعرفها الكثير اليوم عن هذا الكمال القرآني الزائف، من حرق عثمان لباقي المصاحف، إلى الآيات التي أكلها الداجن، إلى حذف آيات الغرانيق، إلى اختفاء آية الرجم وغيرها من المهازل. ناهيك عن الخلط السافر في الآيات، حين تتكلم آية عن موضوع معين ثم تدخل فجأة آية أخرى بموضوع آخر يختلف تماما عن موضوع الآية السابقة، ثم تنتهي فجأة الآية الجديدة لتكتمل الآية السابقة، كهذا المثال في سورة النساء:

وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا 

تتكلم الآية عن اليتامى ثم تقفز فجأة إلى نكح النساء ومعاملتهن، ثم ترجع فجأة إلى معاملة اليتامى. من الواضح وجود خلط في الآيات يحاول المفسرون ترقيعه.

ولاشك أنكم سوف تجدون أكاذيب ومغالطات كثيرة أخرى في الفيديو، إنما أكتفي بهذا القدر لهذا البوست.

* * * * * * * * * *



الاثنين، 10 نوفمبر 2014

تكفي الصفعة لتأديب الشقي

::
لست ممن يلحق أي أذى بأي مخلوق، ولكن الأمثلة المطروحة في هذا البوست هي للتوضيح فقط ولا تعكس أي ميول أو نوايا من طرفي.

لمن يستخدم أسلوب العنف لهدف المعاقبة أو التأديب، كوالد مثلاً يريد أن يعاقب ولده الصغير، لا يحتاج ذلك الأب لأن يذهب إلى بستان محدد ويكسر غصن من شجرة معينة ويقطعه بطول يقيسه بمسطرة، ثم يشذبه من الأوراق ثم يحكه بمبرد ثم يطليه بالورنيش ثم ينتظر حتى يجف لكي يحصل على أداة يضرب بها ولده. بل يكفي أن يرفع كفه ويضربه على مؤخرته ليحقق غرضه في المعاقبة. هذا الأسلوب البسيط يدل على كفائة بديهية في تحقيق الهدف المنشود. الكفائة والمهارة في تحقيق أي هدف هي الوصول إلى المبغى بأقل جهد وأقل تعقيد ممكن.

 لنتابع الآن المراحل المتعاقبة التي تؤدي إلى إصابة البشر بمرض الملاريا، وهذا مجرد نموذج واحد يمثل شدة التعقيد في مراحل الإصابة بالأمراض الأخرى.

مرض الملاريا يحتاج إلى عنصرين لكي يصاب به أحد، بعوضة من صنف محدد وكائن طفيلي مجهري يسمى بلازموديوم. فإذا كانت البعوضة تحمل البلازموديوم وقرصت أحد، يحدث هذا التعاقب في المراحل التي تؤدي إلى المرض:

1- تقرص البعوضة جلد الشخص بغرس أبرتها فيه، ثم تحقن لعابها المحمل بالكائن الطفيلي المسمى في هذه المرحلة بـ سبوروزوايت.
2- ينتقل الـ سبوروزوايت في الأوعية الدموية حتى يصل إلى الكبد ويبدأ بالتكاثر هناك.
3- الخلايا الطفيلية الناتجة عن هذا التكاثر، تختلف عن السبوروزوات  وتسمى بـ ميروزوات.
4- تخرج الـ ميروزوات من الكبد وتدخل الأوعية الدموية مرة أخرى لتصيب خلايا الدم الحمراء.
5- عندما تدخل الميروزوايت خلايا الدم الحمراء، تتضخم فيها وتتحول إلى تكوين خلوي جديد يسمى بـ تروفوزوايت.
6- تتكاثر الـ تروفزوايت مرة أخرى لتنتج تركيب خلوي آخر يسمى بـ زكيزونت.
7- تتكاثر الـ زكيزونت بدورها لتنتج تركيبة خلوية جديدة تسمى بـ ميروزوايت.
8- خلية الدم الحمراء بعد هذا الغزو تنفجر وتخرج منها هذه الـ ميروزوايت بسمومها التي تسبب أعراض مرض الملاريا من حمى وصداع وآلام وإسهال وتقيئ وغيرها من أعراض قد تؤدي إلى الوفاة إذا لم تعالج.

فإذا التفتنا الآن إلى التفسير البدائي السخيف، بأن وجود الأوبئة والأمراض هي إنتاج ربوبي متعمد، الهدف منها العقاب أو الإختبار، ونظرنا إلى المراحل المعقدة المدرجة أعلاه والتي لابد أن تسبق الإصابة بمرض الملاريا، يصبح أسلوب الرب في معاقبة أو إختبار خلقه أسوء في عدم كفائته من مثال الأب الذي يذهب إلى البستان ليحصل على عصا لتأديب ولده. فالأب في العادة لا يحتاج لكل هذه التعقيدات، بل يتصرف في ضمن إطار مايمكن تحقيقه بأقل جهد ووقت لتحقيق الهدف، وهو رفع كفه وصفع ولده. أما الرب، فحسب الرؤية الدينية، يلجأ إلى أشد الأساليب تعرجاً والتفافاً والتواءً لتحقيق نفس الهدف، وهو إلحاق الأذى بمخلوقاته.

هذا مجرد مثال بسيط يظهر مدى لا معقولية وسخافة الرؤية الدينية حين تحاول تفسير ظواهر الحياة.  إنما رغم حجم وتقدم مستوى المعارف التي وصلنا إليها اليوم في تفسير الظواهر الطبيعية، لايزال عدد هائل من الناس في بعض المجتمعات يتمسك بفاهيم يضحك عليها أغلب طلبة المدارس الإبتدائية اليوم.


* * * * * * * * * *

الخميس، 6 نوفمبر 2014

لا حياة بعد الممات

::
وقعت عيناي صباح اليوم على صفحة في الجريدة يطالعها ربما أغلب القراء ولكني لا أهتم بها وأحاول حتى أن أتجنبها، وهي صفحة الوفيات. تمعنت في لائحة المتوفين وفي أسلوب كتابتها. لم أجد فيها أي شخص أعرفه ولكن تركزت نظرتي لفترة على عبارة "وأسكنه فسيح جناته".

رجعت بظهري على الكرسي وحدقت بها لفترة طويلة باستغراب وكأني أقرأها لأول مرة. شعرت بأني لا أستطيع إبعاد نوبات الدهشة والحيرة التي تنتابني باستمرار منذ زمن طويل  حول لغز إيمان هذا الكم الكبير من البشر بفكرة أن الإنسان سوف يرجع إلى الحياة بعد أن يموت ويتحلل وينتهي أمام أعينهم. وليس هذا فحسب، بل سوف يعيش إلى الأزل في محيط من الكمال والسعادة لا يحلم فيها في دنياه. كيف يؤمن أحد، اليوم، بهذا المزعم الهائل بلا ذرة دليل واحدة ملموسة محسوسة، بل كل إيمانه هذا مستند على أقوال كتاب قديم من العصور الوسطى تتناقض في كل صفحة فيه مع معارف هذا العصر. 

عدم وجود الدليل التجريبي المحسوس على مزاعم هذه الكتب التي يصدقها ويقدسها الناس، فهذا بحد ذاته يثير الشكوك حول صحتها في أفضل الأحوال. ولكن حين نسلط عليها الضوء العلمي الفيزيائي، فجميع مزاعمها تتبخر فوراً، ولنأخذ مثال الحياة مابعد الموت.

لمن لايعرف عنها شيئ أو لم يسمع عنها، فالنظرية الكوانتية أو الكم (نفس النظرية بعدة مسميات) هي أقوى وأصلب نظرية في حقل الفيزياء. هذه النظرية تصف عالم الذرة ومادونها، وهي نظرية في غاية الدقة والصلابة تسندها معادلات رياضية وتجارب ومشاهدات امتدت عدة عقود.

جسم الإنسان يتكون من ذرات كما يعرف الجميع، وهذه الذرات تتفاعل مع بعضها بطريقة مفهومة فيزيائية وتتفق مع كل ماتنص عليه النظرية الكوانتية. فعندما يموت الإنسان، يتحلل جسده وتنتثر ذراته المكونه وتختلط مع التراب والماء والهواء وترجع إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل ظهوره. فحتي يستمر هذا الإنسان أو ينتقل بعد موته إلى عالم الخلود، سواء جنة أو نار، ويحتفظ بهويته الدنيوية، لا بد أن تكون هناك وسيلة تحتفظ بتلك الهوية ولا تتأثر بالموت. فما هي؟

الدين يقدم لك مايسميه بالروح، والتي يزعم بأنه كيان يمثل الإنسان ولا يموت، ولكنه كالعادة لا يقدم لك أي دليل أو حتى أي تفاصيل عن هذا الكيان. فعلى افتراض أن هذه الروح موجودة وتحمل هوية الإنسان، فلابد أنها تتفعاعل مع خلايا دماغه التي تكون وتحمل أفكاره وقناعاته ومعتقداته، وتوجه سلوكياته وتصرفاته، وتكون هويته وشخصيته التي يعرف بها خلال حياته، وتنسخ أو تنقل أو تحتوي على كل هذه المعلومات. وإن كانت الروح تتفاعل مع خلايا دماغ الإنسان، فهي تتفاعل بالضرورة مع الذرات المكونة لهذه الخلايا.

ولكننا اليوم نعرف تماماً من خلال النظرية الكوانتية كيف تتفاعل الذرات مع بعضها وكيف تتفاعل حتى مكوناتها من الكترونات وكواركات وقواها الأربعة، ولا توجد أدنى إشارة إلى أن الذرات ومكوناتها تحمل أي معلومات عن الإنسان بعد أن يموت وتتحلل خلايا دماغه وتنتثر ذراتها. كما أنه لا توجد أي إشارة إلى أن هناك عناصر أخرى تكون مايسمى بالروح وتتفاعل مع هذه الذرات حتى تحمل معلومات خلايا صاحبها، ولو تواجدت هذه العناصر الروحية لاكتشف الآن، هكذا بكل ثقة. ما نعرفه اليوم من مركبات عالم الذرة هو كل ماهو موجود، فلا توجد أي عناصر أو مركبات أخرى لم تكتشف بعد. وحتى لو وجدت مركبات أخرى من قوى أو جسيمات لم تكتشف بعد، فهي لا تتفاعل مع ماهو مكتشف، أو أن تفاعلها ضعيف إلى درجة لا تؤثر على مجري سير الذرات المروفة ومكوناتها، وبالتالي لا يمكن أن تنقل أو تحمل أي معلومات عن الإنسان. وإن قال أحد أن الروح هي كيان ماورائي غيبي لا يخضع لقوانين الفيزياء الطبيعية، فالإجابة هي لو كان مثل هذا الكيان موجود لأسقط جميع معارفنا عن الذرة ومكوناتها. ولكن وجود النظرية الكوانتية وصلابتها ودعم التجارب والمشاهدات لها وقوة معادلاتها الرياضية وعدم ظهور أي خرق لقوانينها كل هذا يثبت عدم وجود مثل هذا الكيان الروحي.

فتبقى فكرة الخلود بمفهومها الديني أمنية ووهم يعزي بهما الإنسان نفسه حين يفقد أحد أحبائه، ويطمئن بهما قلبه بخداع نفسه أمام فنائه المحتوم.

* * * * * * * * * *