الاثنين، 19 مارس 2012

مقالة ضيف - نقد الدليل الكوزمولوجي (الجزء الثالث)


الجزء الثالث من سلسلة المقالات العلمية في نقد الرؤية الدينية لظهور الكون، للقاريئ الكريم أبولو:

في هذا المقال، سنغوص بشكل مقتضب في أساسات الوجود ونحاول الاجابة على التساؤلات الأعمق التي طرحها الفكر البشري عبر التاريخ:
ماذا كان قبل بداية الكون؟ وهل هو أزلي؟ أو بالصيغة العلمية: ماذا كان قبل الانفجار العظيم؟ وما الذي دفع الكون الى الوجود؟
تجدر الاشارة الى أن قراءة وفهم مقدمة المقال السابق (هـنـا) المتعلقة بنظرية الخيوط الخارقة، هو خطوة ضرورية لفهم هذا المقال.
عندما نسأل ماذا كان "قبل" بداية الكون، نكون قد استحضرنا مفهوم الوقت بحد ذاته، فيجب قبل الاجابة، التعريف بالوقت الفيزيائي. عندما يتكلم الفيزيائيون عن الوقت، فهم يقسمونه إلى ثلاثة مفاهيم: الوقت الكوسمولوجي Cosmological time، الوقت الديناميكي الحراري  Thermodynamical time،  والوقت الكوانتي Quantum time. المفهومان الأول والثاني يشكلان الوقت الذي يعرفه ويعيشه الجميع، وهو الذي بدأ مع الانفجار الكوني، ويخضع للنظرية النسبية، ونقيسه بالساعات، وهو يجري بشكل بديهي، من الماضي (الانفجار العظيم) الى المستقبل باتجاه واحد لاينعكس، وهذا ما يسمى بالسهم الكوسمولوجي للزمن Cosmological arrow of time.
أما المفهوم الثالث (الوقت الكوانتي) فهو يشكل الزمن الذي يحكم الفيزياء الماتحت النووية (وهي تشكل البنية الأساسية للكون)،  وهو يختلف عن مفهومنا للوقت بشكل جذري، فهو لا إتجاه له! (ما يسمى بتناظر الوقت Time symmetryأي ان الفيزياء الماتحت النووية لا تتغير إن سار الوقت  بنفس اتجاه الزمن الكوسمولوجي أو عكسه!  بمعنى آخر، لجزيئة نووية الوقت لا بداية أو نهاية لها! لأنه بامكاننا الحديث عن بداية الزمن عندما يسير باتجاه محدد، أما أن يكون الماضي مساوٍ للحاضر فيلغي أن يكون للزمان بداية.
وقد سبب هذا مشكلة لعلماء الفيزياء في القرن العشرين حيث احتاروا بمعرفة سبب الاختلاف بين السهمين الزمنيين. ولكن حل هذه المشكلة بدأ يظهر في القرن الواحد والعشرين مع نظرية الخيوط الخارقة عندما تم تطبيقها في علم الكون (الكوسمولوجيا) وانشاء ما يسمى بكوسمولوجيا الخيوط Strings cosmology .
ومن أهم اكتشافات هذا العلم الناشىء هو أن الكون الذي نعيش فيه موجود ضمن "الفضاء الفوقي" Hyperspace  وهو "فضاء" ذو أحد عشر بُعداً، ويحتوي على كوننا (والفقاعات الكونية الاخرى التي تكلمنا عنها سابقا)، بالاضافة الى عدد غير محدود infinite  من الأكوان المنفصلة الاخرى. والنجاح الأبرز لهذه النظرية كان في إعطاء تفسير لتوالد الأكوان، حيث تم اكتشاف أن بعض الخيوط الخارقة التي تحدثنا عنها يمكن أن تتواجد ضمن الفضاء الفوقي ذاته و ليس ضمن أحد الأكوان التي يحتويها. وفي حالة هذه الخيوط، فبعضها قد يحتوي على عدة أبعاد و ليس بعداً واحدا كالخيوط السابق ذكرها، وعندها تسمى ب D-branes  حيث D ترمز لـ Dimensions، البرينات الخارقة (الخيوط ذات العدة أبعاد والتي تسبح في الفضاء الفوقي بدون أن تكون متصلة بأي كون فيه). ولم يطل الوقت حتى اكتشفت عالمة الفيزياء في جامعة هارفرد، ليزا راندل" Lisa Randall،  بأن هذه البرينات يمكن أن تصطدم ببعضها لتنتج من الاصطدام "إنفجار عظيم" Big Bang في هذه البرينات حيث تتحول طاقة الاصطدام في البرينات الى كون مولود جديد في كل منها!
وماذا عن الفضاء الفوقي؟ ماذا كان قبل وجوده؟ الجواب على هذا السؤال أتى مؤخراً جداً، من قِبَل عالمة الفيزياء "لورا مارسيني"  Laura Mersini-Houghton،  والتي تمكنت من إثبات أن الوقت في الفضاء الفوقي هو مشابه للوقت الكوانتي، أي أن الماضي مساوٍ للمستقبل، فلا يوجد إتجاه معين ولا سهم للزمن. وعندما لايوجد اتجاه للوقت، لايوجد أيضاً بداية للزمن.
فلا معنى إذاً لسؤال: ماذا قبل الفضاء الفوقي؟ فاستفهام "قبل" لاينطبق في هذه الحالة، لأن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب وجود إتجاه للزمن لكي يمكن تعريف مفهومي "قبل" و"بعد". أما عندما تصطدم البرينات وتتشكل أكوان داخل الفضاء الفوقي، فالتشتت الحراري داخل هذه الأكوان هو ما يخلق للوقت إتجاه محدد، أي بداية للزمن، ولكن بداخلها فقط.
طبعا تجدر الاشارة الى أن معظم هذه الاكتشافات نظرية وإن كان هناك بعض الدلائل المخبرية التي بدأت تلوح في الافق.
References
L. Randall, Warped Passages: Unraveling The Mysteries Of The Universe's Hidden Dimensions
Brax, Philippe; van de Bruck, Carsten (2003). "Cosmology and Brane Worlds: A Review".
Langlois, David (2002). "Brane cosmology: an introduction"
Cosmological Avatars of the Landscape I, II; Phys. Rev. D, 77


الكاتب: أبولو

يتبع ...
* * * * * * * * * *

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

قارن بين أبولو و بين زغلول النجار ......فرق العالم حقا عن الجاهل حقا ، أستاذنا أبولو لا تعرف كم أبتهج عندما أعلم بوجود عربي مثلك ، مقال رائع رائع رائع ومبسط لذوي الذكاء المتوسط مثلي ، أتمن لك و لبصيص و أمثالكما دوام النجاح و التوفيق

غير معرف يقول...

السيد أبولو:
و من أين أتت (البرينات الخارقة)؟ و كيف نشأت؟
مسلم مصري

Apollo يقول...

أولا أشكر جميع القراء و خصوصا المعلقين على الموضوع.

لغير معروف الأول أقول لا فرق بيولوجي بين ذكاء انسان و آخر في الحالات الطبيعية, انما هو الشغف بالعلم مع الارادة الكافية ما يصنع الشخص, فلا فرق بين عالم فيزياء أو مهندس طائرات أو طبيب أعصاب و أي شخص آخر غير اهتمامهم بعلمهم لدرجة كافية لأن يتحملوا سنوات الجامعة الطويلة و ليالي السهر, فحب العلم المعين هو ما تنبع منه الارادة..



لعزيزي مسلم مصري

أولا سيكون هناك جزء من الاجابة على سؤالك في المقال القادم.
ثانيا عندما تسأل "من أين أتت" فأنت تدعي بأنها وُجدت *بعد* عدم و بالتالي وجود سهم للزمن يعطيه اتجاه معين تُعرف على أساسه "بعد" و "قبل" و هذا لا ينطبق على الفضاء الفوقي حيث لا سهم و لا اتجاه للوقت و بالتالي السؤال لا يكون له معنى.

غير معرف يقول...

لا مكان للدين هنا. لو وجدت مقالتك في القرآن لكان اكبر اعجاز.
لدي سؤال في ذهني اعجز عن صياغته لكن محاولتا مني هي التالي: هل هذا يعني ان الكون الاكبر ليس له بدايه؟ اي موجود على شكله؟ او كيف وما الذي كونه على شكله؟
اتمنى ان تكون فهمت ما اقصده

Apollo يقول...

عزيزي غير معروف

بالفعل تناظر الوقت و عدم وجود اتجاه له يدل على عدم وجود بداية للفضاء الفوقي (الكون الأكبر), أما عن بقية الأسئلة فالعلم لم يجاوب عنها الا الآن, ولكن لا يعني هذا ضرورة وجود اله لملئ الفراغ, فكما جاوب العلم عن سؤال ما الذي أحدث الانفجار العظيم سيجيب عن بقية الأسئل يوما ما.
بعبارات تقنية: الاجابة عن أسئلتك يستوجب معرفة حلول لمعدلات النظرية الخيطية دون استعمال طريقة الاضطرابات non perturbative approach , و هذا لا يبدو سهل المنال الا أنه ليس مستحيلا عبى الاطلاق.