الاثنين، 18 أغسطس 2014

أين أذنك ياجحا؟

::


يقال أن جحا سُأل مرة: أين أذنك؟ فبدلاً من أن يرفع يده إلى أذنه القريبة منها، لوى ذراعه خلف رأسه ليشير إلى أذنه في الجانب الآخر من رأسه ويقول: هاهي. هذه مقولة لا أدري مدى شعبيتها في البلاد العربية ككل، ولكنها تستخدم بكثرة في الدول الخليجية للإشارة بسخرية إلى من ينتهج أسلوب معقد في الوصول إلى نتيجة ما حين تتوافر أساليب أسهل للوصول إلى نفس النتيجة.

ورسام الكاريكاتور الأمريكي الشهير رووب غولدبيرغ، أوضح هذا الأسلوب الملتوي العبيط في سلسلة من الرسومات الكاريكاتورية الساخرة التي اكتسبت شهرة دولية واستخدمت لضرب الأمثلة على سوء تصميم آلة أو جهاز ما، وهذا أحدها هنا. ففي الصورة أعلاه، المخترع العبقري الجالس على يمين الصورة اخترع طريقة لحك ظهره، تبدأ من اليسار وتتسلسل في عدة خطوات من التحركات الميكانيكية حتى تصل إلى اليد التي في الأخير تحك ظهره.

وسوف أطرح عليكم سؤال الآن بعد أن أوضح طريقة السمع عند الإنسان.




لكي يسمع الإنسان صوت ما، يمر الصوت بهذه المراحل:

تتجمع الموجات الصوتية بواسطة صحن الأذن الخارجية وتدخل القناة السمعية حتى تصل إلى الطبلة الأذنية فتطرقها، فتتذبذب الطبلة مع ارتطام الصوت بها. حين تتذبذب الطبلة، تهز ثلاث عظيمات صغيرة متصلة ببعضها، وإحداها متصلة بقطعة أخرى حلزونية الشكل تسمى بالقوقعة Cochlea. إهتزاز القوقعة يسبب تموج سائل جيلاتيني هلامي بداخلها، وتموج هذا السائل يلوي بدوره شعيرات عصبية داخل القوقعة. الشعيرات العصبية ترسل هذه الإلتوائات كإشارات إلى المخ الذي يترجمها أخيراً إلى الصوت الذي نميزه.

وسؤالي هو هذا:

بذمتكم، أليس هذا الإختراع السمعي جحوي غولدبيرغي؟ صحيح أنه فعال، ولكن ألم يجد الفطحل السماوي طريقة أقل عبط وتعقيد من هذا الأسلوب؟ التحدي في تصميم أي آلة أو اختراع هو البساطة في التركيب والأداء. ولكن حين تتمعن في أجهزة الإنسان، تجد أنها من هذا النوع، أي أنها أكثر تعقيد مما تتطلب وظيفتها. لو كان مصمم الجهاز السمعي إنسان، لاكتفى بتصميم خلايا سمعية تلتقط الصوت مباشرة من الهواء وترسله مباشرة إلى المخ، بدون لف ودوران مع الطبلة والعظيمات والقوقعة والسائل الجيلاتيني، فهذه كلها ممكن إلغائها لو كان المصمم مدرك وواعي.

هذا التعقيد المفرط في وظائف الأجهزة البايولوجية من الصعوبة تعزيته إلى خالق مدرك ومبدع. ولكن يسهل تعزيته إلى عملية التطور العمياء التي تُجمّع الوظائف بطريقة تراكمية تبقى في الكائنات الحية حين تصادف أنها تخدمهم في التكاثر والبقاء. 

* * * * * * * * * *

ليست هناك تعليقات: