الخميس، 28 فبراير 2013

قضية إنفصام الشخصية الربوبية

::
إحدى المشاهدات الكليشيهية الروتينية التي لم تتوقف إلى اليوم من إثارة دهشتي وحيرتي وطبع إبتسامة ساخرة على شفتي كلما سمعتها، هي عندما أسمع إنسان أكاديمي أو مفكر يصف بعفوية وقناعة (ظاهرة على الأقل) محمد بأنه "النبي الكريم" أو "رسول الله". ومضمون صفة النبوة التي يؤمن بها ذلك الإنسان للغرابة البالغة هو، كما يحتم الإيمان بتلك العقيدة، أن محمد وسيط تم اختياره من قبل كيان ميتافيزيقي خارق لاداء هدف ذروي، وهو توصيل رسالة مصيرية من ذلك الكيان إلى البشر.

فكرة من الصعب تصور أن العقل الناضج يصدقها: لإيصال بيانات مصيرية تمس الحاضر والمستقبل الأزلي لكل فرد على وجه هذه الأرض، يرسل ذلك الكيان الخارق لهم إنسان برسالة شفهية!!!! ياسلام على الإفشنسي.

إنما في الحقيقة، هناك فكرتين حول الخلق المتعمد المستهدف (مقابل العشوائية والصدفة)، تفصلهما فجوة هائلة، لم أصادف أحد إلى اليوم نجح في تشييد جسر بينهما. فكرة وجود كيان خارق خلق الكون ومن فيه، وفكرة أن هذا الكيان الخارق هو نفس الإله الذي تنسب إليه الديانات الإبراهيمية. الفكرتان منفصلتان تماماً.

الفكرة الأولى تدور حول وجود قوة ميتافيزيقية أو حتى ربما طبيعية، ربما واعية أو ربما ليست واعية بالمفهوم البشري، وليس من المهم معرفة ماهيتها، إنما يعزى إليها خلق الكون بقوانينه ومكوناته، وتتوقف مهمتها عند هذا الحد. فهذه الفكرة لاتمتد إلى تدخل هذه القوة الجبارة في عمل الكون نفسه أو في سلوكيات سكانه، بل تحصر مهمتها على خلق الوجود ووضع قوانينه فقط، ثم تركه ليجري وفقاً لهذه القوانين.

أما الفكرة الثانية، فهذه تختلف جذرياً، وإن بدى هناك تشابه أو تطابق بينها وبين الأولى، فهذا التشابه زائف. هذه الفكرة تزعم بوجود كيان ميتافيزيقي خارق، تعزي إليه خلق الكون، ولكنها تلبسه طبيعة بشرية محظة. فهو يتواصل مع الناس ويتدخل في حياتهم، ويتفاعل معهم بنفس أحاسيسهم، فيغضب ويفرح ويعاقب ويكافئ، وله مرتبة أيضاً بينهم، مرتبة إمبراطورية بعرش وبلاط وحاشية وجنود ومراسلين، ويستخدم جميع الأساليب البشرية في التعامل مع خلقه، فهو تارة يتفاوض ويعقد هدنات معهم وتارة أخرى يدخل في حروب ومعارك ضدهم، ويحث أتباعه على الإنصياع له وتلبية أوامره، بالضبط كما يفعل القادة البشر في الأزمن الغابرة (ولايزال بعضهم إلى اليوم). فالفكرة الثانية ماهي إلا تجسيد بشري للقوة الخالقة، ومن الواضح أن هناك فاصل كبير بين هذه الفكرة والفكرة السابقة.

لا أستغرب من أن عوام الناس تخلط الفكرتين، ولكني أتوقع من الطبقة المثقفة المفكرة أنها تعريفياً قد حققت درجة أعلى من معدل إنسان الشارع في مستوى تقليب الأمور وتقييمها تمكنها من رؤية الفارق، والحقيقة أن نسبة كبيرة من الشريحة المثقفة في المجتمعات المنفتحة تتمتع بهذه الرؤية الفاصلة بين الكيانين، وهذه حقيقة تدعمها الكثير من البحوث كما أشرت لها في الكثير من البوستات السابقة. إنما تبقى هناك نسبة مخيفة من المثقفين في مجتمعاتنا الإسلامية لاتزال تعاني من قصور في هذه الرؤية بالذات. فهل الفكرتين حقاً عند هذه النسبة تحيطهما ضبابية لاتمكن بعض المفكرين والمثقفين من الفصل بينهما؟

هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي وضع لكم الغلاف الجوي بغازاته وانعكاساته الزرقاء (الناتجة عن التفاوت في طول الموجات الإشعاعية)، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يهين عقولكم بهذا الهراء: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج (ق - 6)، الله الذي رفع السماء بغير عمد ترونها (الرعد - 2)، وجعلنا السماء سقفاً (الأنبياء - 32).

هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الكون ولم يضع في مساحاته المذهلة سوى فراغ شاسع بارد، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يطلب منكم تصديق هذه الكذبة الطفولية: جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع (فاطر - 1)

هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الألكترون وحدد حجمه بدقة 1/1836 من حجم البروتون، ثم جعله يدور في مسار حول النواة ببعد يعادل 4 كيلومترات لو كان حجم النواة 10 سنتمترات لكي تتوازن قوى الوجود، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي لجأ إلى المفاوضات وعقد الهدن وقطع الطريق والحروب والغزوات، وإلى اليوم لم ينجح في توصيل رسالته إلى خلقه؟

هل من المعقول يامثقفين المسلمين، أن الرب الأول هو نفس الرب الثاني؟

لا يمكن تفنيد الفكرة الأولى، طالما الرب الذي تشير إليه لايتدخل في أمور الوجود، فتبقى قائمة رغم أن تقدم العلم والمعرفة ليس بحاجة لها. أما الفكرة الثانية فأنا في حيرة ودهشة من أن هؤلاء الناس لاتزال تصدقها.
 
* * * * * * * * * * *
  

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

اتفق معك في كل كلمه وفي كل حرف
انا استغرب من دكتور عندنا في الجامعة كان يرفض نظريه التطور
دعك من هذة ....

كان يدرسنا جيولوجيا وكان مؤمن ان الارض خلقت في سته ايام

لم ادخل معه في نقاش بحكم اني طالب وهو الدكتور اضف الى ذلك اننا في السعوديه :-) يعني الدخول في نقاش معه لا يسبب سقوط في الماده بل يسبب سقوط الرأس ايضاً.


للأسف هذا هو الحال لا تستغرب

غير معرف يقول...

عزيزنا بصيص ، هل تحتمل وجود الكيان الخارق الأول الذي ذكرته؟؟؟

basees@bloggspot.com يقول...

الأخ/ت الكريم/ة غير معرف/ة (التعليق الثاني) ،،

الإله الإبراهيمي قطعا من وحي خيال البشر. أما الإله الثاني فهو احتمال موجود، إنما مستبعد لعدة أسباب فلسفية وعلمية. فالجانب الفلسفي أخفق في حل معضلة من خلق الإله، والجانب العلمي لايحتاجه، فجميع النظريات العلمية قائمة بدون أي إعتبار له.

أرى أن احتمال وجود إله القرآن يطابق صفر بالضبط، وإحتمال وجود الإله الآخر يلمس الصفر.

خالص تحياتي

*****************************

شكري للأخ/ت صاحب/ة التعليق الأول على المشاركة، مع خالص تحياتي

م - د مدى الحياة يقول...

هي مأساة بالفعل ان يصدق عدد لايستهان به من المؤمنين من الناس ان هناك كيان خارق ميتافيزيقي ليس كمثله شئ مهما حاول البعض منهم
على الاقل ان يتوصل الى ماهو كنهة هذا الكائن الخرافي وشكله ومن ماذا يتكون وكيف وجد وقوته وجبروته التي
تفوق كل وصف ! ومع هذا نجده يلجأ الى وسيلة بدائية وبسيطة لاتليق به ! إلا وهي اللجوء الى بشر بسطاء او مايسمون بالأنبياء لنقل رسالته !
والتي لاتسوى كل هذا الجهد والتعب منهم ، والمآسي الناتجة عنها من حروب وقتل وترميل وسبي النساء او مايسمى ملك اليمين ! وتيتيم الاطفال
الذين لاذنب لهم سوى انهم ابناء الكفار الرافضين الاستسلام وتصديق المزاعم بوجود الرب الذي لايوجد
دليل واضح وقاطع على وجوده ابدا ولحد اليوم ! ولا اي معجزة حسية وحقيقية وامام اعين الناس حتى يأمنوا به بدل كل تلك الدماء التي اريقت وماتزال لحد الآن وبدون مبرر ! والمآسي والمجازر الشنيعة والخداع واللعب على الناس البسطاء واعصابهم !
ومع هذا كله فشل في تحقيق الهدف من رسالته الى يومنا هذا وجعل الامور
تسير نحو الاسوء والاعقد ، وكذلك القرآن المبهم والغير واضح في معانيه لحد الآن ! وايضآ إله خارق وقادر على كل شئ مثل ما وصفوه الانبياء وعلى رأسهم محمد بن عبدالله ومع ذلك يلعب مع الناس المارغين
الكفار لعبة القط والفأر ! ويجعل
منهم اعدائه ! مثل ماقيل " عدو الله ورسوله !! .. وايضآ يغضب ويعاقب ويكافئ مع انهم من خبز يديه !
وهو عارف منذ الازل بما سوف يفعلونه قبل خلقهم واكتمال نموهم ومع ذلك تكون ردات فعله بهذا الشكل الغريب !! وكأنها مفاجئة جديدة عليه !! وايضآ إله حشري يتدخل
في كل افعال المؤمن من صغيرة
وكبيرة في مشيته واكله وشربه ونومه وحياته الخاصة وكأن لايوجد لديه
غير هذا الانسان على سطح الكرة
الارضية والتى يوجد الترليونات مثلها في جميع المجرات الكون بأسره وناهيك
عن الاكوان الموازية اللانهائية !! ويدعي المؤمنين به انه قادر على كل شئ وانه غني عن العالمين ولا يحتاج
الى اي احد من خلقه ابدا ومع هذا كله يلجأ الى الانبياء والملائكة والجن وملك الموت والشجاع الاقرع الخاص بالموتى والجنود من حشرات وضفادع وغير ذلك ! ، تناقض واضح وصريح ! ، وهناك واحدة من الفضائح التي لم يشعر بها الغالبية العظمى
من المؤمنين من الناس إلا وهي قوله افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج ! على الرغم انهم لم يروه يبني ويزين
شئ بأم اعينهم ! إلا اذا كان القرآن يقصد ماكانوا يرونه بعينهم المجردة في ذلك الوقت من بضع آلاف من النجوم
والشمس والقمر ! ، وقال "السماء فوقهم على الرغم ان السماء تحيط بالكرة الارضية من جميع الاتجاهات
وليس من فوق فقط ! .. وايضآ الله الذي رفع السماء بغير عمد ترونها وجعلنا السماء سقفآ اولآ السماء ليست كتلة صلبة ومتماسكة ! على قرار سقف
البناية او المجمع ليخشى سقوطها وليتدخل الرب ويرفعها بغير عمد يرونها هم المؤمنين ! ومعنى هذا من الواضح ان صانع هذا الدين كان
يعتقد ان الارض مسطحة ! وممتدة ومترامية الاطراف بلا نهاية قريبة ومقارنة للسماء بطولها وعرضها !
بدليل قوله ( وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين ) فعلآ فضيحة بكل مقاييسها واشكرة ان الدين وإلاه مجرد صناعة بشرية قديمة والتي مازال
الملايين من المؤمنين يصدقونها لحد اليوم ! بسبب غسيل الدماغ المسلط عليهم منذ نعومة اظفارهم وبشكل متواصل ! والجهل والتجهيل وعدم الاطلاع والقراءة والتثقف من علوم الدنيا والغرب واختراعاتهم ،
وايضآ بسبب التعصب الاعمى وجعل من الارهابين والطغاة والاجلاف قدوة
لهم ! بدل من العلماء الحقيقيين الذين افادوا وقدموا للبشرية وما يزالوا خدمات جليلة بما فيهم هم انفسهم ! فعلآ هم امة ترفض ان تبصر
النور والحقيقة مهما قدمت لهم من
دلائل.. ونكتفي الآن بهذا القدر من
كلام ونقول شكرآ .

lucifer يقول...

نعم هذا ما كان يشغل تفكيري و انا بالسن العاشرة اي كنت طفلا فعندما ياتي الشيخ على الصف وقتها و بقول الله طبل من محمد ان يغزو و ان يسبي النساء لقهر العدو و اننا يجب ان نفتخر بنكاحات محمد و الانكى من هذا قتل المشركين بحز الرقاب و غيرها.. كنت اقول لنفسي هل فعلا الله الذي خلق هذا الكون يرضى بان يخلق بشرية من روحه و من ثم يتقاتلون و يذبحون بعضهم و تنثر الدماء علر الارض كل هذا فقط لان الله اراد ذالك !!!!! فعلا لا اعلم كيف للمرمن ان ينكح سبية و هو مقتنع ان ربه حلل نكاح ملك اليمين !!!! ما هذا الاله .. نعم كان عمري 10 سنوات و لم اجد اي شيء منطقي في الدين... و كان رفاقي يهللون و يسبحون باعمال محمد الاجرامية .. نعم يا اخوان وجد اله بضم الواو فمستحيل ان يرضى لمخلوقاته التقطيع و الصلب كما ورد بايات قرآنية .... هناك مليار مسلم و اقل على اعتبار انهم كل يوم هناك من يرتد و يلحد. هناك جزئين منهما .. جزء عارف الدين صحيحا و فضائحه و لكن مصالحه و مصالح رعاته تقتضي ان يبقي فمه مغلقا.. و الجزء الثاني هو الحزء الذي مرمن و لكن اذا سالته عن حادثة الافك يقول لك لا اعرف شيء.. و هناك ايضا جزء معتدل ياخذ ما يعجبه في الدين و يتجاهل غيره فقط ليرضي نفسه... و لكن نحن الملحدون حاولنا ان نفهم الدين عن قناعة تامة و لكن وجدنا ان الدين يدمر الانسانية فاتجهنا للالحاد لاننا اما ان نكون مؤمنين حقيقيين او ملحدين او لادينيين.. يعني دين او بلا دين .. رايت يوما ما تعليقا على هذه المدونة يقول فيها صاحب التعليق ( لدي احساس ان الكهنوت الاسلامي يعرف حقيقة الاسلام و لكن..) يا اخي احساس اييبييه) هذا يقين ... الدين الان كل شغلته ان يكون خدم لتجار دماء الشعب...