الخميس، 7 يوليو 2011

الإنسان صناعة رديئة

::


روى لي صديق ملاحظة طريفة/محزنة وقعت يوم أمس من جملة أحداث العمل لديهم في المكتب، أنقلها لكم هنا لأبني عليها خواطر هذا البوست.

يقول صديقي:

"دخل أبوحامد (أحد الموظفين) علينا في المكتب متأخراً صباح أمس وصفق خلفه الباب بغضب، ثم زفر بعبارة مبهمة تشبه الأنين أظنها كانت تحية "السلام عليكم" وتوجه وهو يعرج ليجلس بعدها خلف مكتبه ويحدق في أوراقه. فتوقفت عن العمل لبرهة أراقبه وهو يرفع نظارته عين عينيه ويحاول تثبيتها على طرف رأسه فتنزلق على عرق جبهته وتسقط على أنفه، ثم يرفعها مرة أخرى فتنزلق ثانية وتسقط على أنفه، ثم يرفعها وتسقط هكذا عدة مرات حتى خلعها بالأخير بنرفزة شديدة ورماها على الأرض.

من الواضح أنه كان يعاني من مشكلة ما ذاك الصباح، فقمت لأسأله عن أسباب إنزعاجه.

إتضح أن سبب غيضه ذاك الصباح هو سيارته، فقد تعطلت عليه في ثلثي طريقه إلى العمل مما أضطره إلى تركها وتكملة رحلته مشياً لثلاث أو أربع كيلومترات فيما تبقى من مسافة بالرغم من أنه يعاني من روماتزم مؤلم في ركبته. ومما زاد غيظه أيضاً أنه قد أخرج سيارته من ورشة التصليح لعطل آخر قبلها بأسبوع فقط، وهاهي اليوم تتعطل عليه لتشقيه مرة أخرى".

يكمل صديقي سرد الحدث بهذا التساؤل:

"سيارة أبوحامد جديدة نسبياً لم يتعدى إستعماله لها السنتان. كما أنها ألمانية الصنع يفترض بها الجودة والمتانة، ولكنها تعطلت عليه خلال تلك السنتان أربع مرات، دخلت في كل مرة فيها ورشة التصليح". ويتسائل صديقي بقوله: "لماذا لاتستطيع المصانع إتقان حرفتها وتحرص على ضبط منتجاتها مثل السيارات بحيث لاتتعرض للعطل إلاّ ماندر، ربما مرة أو مرتين خلال كل عشرة سنوات مثلاً؟"

هذا تساؤل عتابي ربما لاينصف المُنتج الذي يخضع لتأثير عوامل تجارية كثيرة  تفرضها الأسواق الحرة عليه، كالموازنة في تحقيق الجودة والمتانة ومواكبة التقدم التكنوليجي للسلعة من طرف، ومن طرف آخر تحقيق إيرادات كافية لتغطية تكاليف إنتاج تلك السلعة وتوزيع قسم منها كأرباح للمساهمين والتوسع في نفس الوقت. فالمعادلات الإقتصادية التي يفرضها السوق على الإنتاج هي التي تتحكم في المسيرة التكنلوجية للوصول إلى مستوى من الجودة يمكن معها إستمرار أداء الآلات مع ندرة العطل طوال العمر المخصص لها. ومما لاشك فيه أن المنتوجات التقنية اليوم هي أكثر جودة ومتانة من منتوجات قبل خمسين سنة، ونسبة عطل السيارات الحديثة اليوم هو أقل بكثير من نسبة عطلها في الماضي. فالجودة والمتانة إذاً تتقدم مع مرور الوقت بالرغم من تأثير العوامل السلبية عليها.

هذا بخصوص مشاكل عطل سيارة أبوحامد، ولكن ماذا عن مشاكل عطل صاحب السيارة نفسه ... السيد أبوحامد؟
أليس هو بجسده آلة مصنعة أيضاً تتتعطل وتتلف وتهترئ تماماً كما تتعطل وتتلف وتهتريئ سيارته؟
كم مرة تعطل أبوحامد لدرجة تقتضي تصليحه خلال نفس فترة السنتان منذ أن أشترى سيارته؟

لنجري مقارنة لجودة صناعة الإثنان:

خلال السنتين الماضيتين، أصيب أبوحامد، وهو لايزال في الخمسينات من عمره، بهذه الأنواع من العطل، هذا بالإضافة إلى مايعانيه من أمراض مزمنة كالسكر وإرتفاع ضغط الدم وروماتزم وحساسية موسمية والتي لن أدرجها في اللائحة بسبب وقوعها قبل مدتنا المعنية:

* فتق في بطنه إقتضى عملية جراحية لترميمه.
* إلتهاب في لثته.
* إلتهاب في عينه.
* أورام في ركبته.
* رشح شديد، مرتين.
* صداع نصفي، عدة مرات.

هذا مايتذكره صديقي من خلال ملاحظاته الشخصية لأبوحامد، ولاتشمل هذه اللائحة المشاكل الصحية التي لم تبدوا عليه ولم يذكرها لأحد. فأبوحامد إذاً تعطل ميكانيكياً وأخفق في أداء وظيفته أكثر من إخفاق أداء سيارته بمرتين على الأقل خلال نفس الفترة.

في الواقع أن الإنسان لم يتقدم في مقاومته الجسدية لمشاكله الصحية والمرضية خلال نفس الفترة كما تقدمت مقاومة المصنوعات البشرية ضد العطل. والإنخفاض في مستوى الأوبئة وإرتفاع معدل الأعمار تحقق كنتيجة مباشرة للتقدم العلمي الخارجي الذي حققه الإنسان نفسه بنفسه، وليس تحسن جسدي داخلي إكتسبه آلياً.

ولكن مهلاً ... إذا كانت السيارة مصنوعة من قبل بشر غير معصومين، يصيبون ويخطئون، تحد من تفكيرهم سعة عقولهم، وتلزمهم قوانين طبيعية وتفرض على أدائهم عوامل إقتصادية ومعادلات تسويقية، وتكبل آدائهم الكثير من القيود والموانع، فما حجة الخالق ذو القدرة المطلقة والعلم الكامل الذي لايخضعه شيئ أو يكبله شيئ أو يلزمه شيئ في تصنيع آلات تتعطل أكثر مما تتعطل آلات البشر؟

هذا باستثناء أيضاً الحوادث التي يتعرض لها الناس، والتي تحد من أدائهم أو حتى تنهي حياتهم بكل سرعة وسهولة، كارتطام رأس أحد بالأرض حين ينزلق مثلاً، فمن المحتمل جداً أن تسبب وقعة بسيطة مثل هذه قتل الإنسان، إنما كان التركيز على المشاكل التي يصعب أو يستحيل على البشر تفاديها كالأمراض.

لاشك بأن الإنسان كمُنتَج صادر من مصانع السماء هو أقل جودة ومتانة وأكثر عرضة للخراب وتكلفة للتصليح من آلاته هو الصادرة من مصانعه على الأرض. وهذه حقيقة تتعارض مع قدرة السماء وسعة علمها بالنظر إلى جودة ومتانة ودقة منتجاتها ....

إلاّ إذا لم تكن للسماء المطلقة العلم والقدرة يد في تصنيعه، بل تطور؟
وهذه هي الحقيقة، بدون مساهمة من السماء، لأن لو كانت للسماء يد في بنائه لكان أبوحامد أقل عرضة للعطل من سيارته.

* * * * * * * * * *
     

هناك 8 تعليقات:

aboasoos يقول...

انت واحد ابن حرام

غير معرف يقول...

كيف الحال أخ بصيص؟
لقائل أن يقول بأن الله خلق الإنسان بهذه الكيفية لأنه أراد امتحانه و ابتلاءه في الحياة الدنيا و لم يرد بأن يجعل هذه الحياة جنة له بجعله كاملا كما سيعمل به في الجنة الحقيقية، إنما أسأل من باب النقاش يا أخ بصيص و ليس الجدال

basees@bloggspot.com يقول...

العزيز غير معرف ،،

أنا بخير ياعزيزي أشكرك على السؤال. حجة الإختبار هذه هي طعن في علم الخالق، لأن مضمونها أن الخالق يحتاج إلى أن يختبر خلقه ليعرف سلوكياتهم. الإختبار هو للمعرفة، والمعرفة عند الخالق يفترض أن تكون مطلقة، فحجة الإختبار ليست إلاّ أحد المحاولات الكثيرة لترقيع للمفارقات السافرة الموجودة مابين أوصاف الخالق ومايحدث على أرض الواقع.

ولك تحياتي

Khaled يقول...

أعتقد ن فى المقارنة بعض الاجحاف.
الانسان بعيد بالطبع عن كونه مثالى أو ضد الأمراض والأعطال، لا مجال كبير للجدال هنا.
ولكن قول أن الانسان اردأ من صناعته فأنا أختلف معك بشدة لعدة أسباب:
1- الانسان الة لا تتوقف عن العمل لمدة تتجاوز أى الة من صنعه على قدر علمى
2- الانسان الة تجمع طاقة تشغيلها بنفسها
3- الانسان الة اذكى من كل ما صنع
4- الانسان الة تكيفت مع العديد من المتغيرات بطريقة تفوق كل ما صنع

سواء كنت تؤمن اننا من صناعةالله او التطور، أعتقد أن حقيقة أن الانسان أشد تطورا واتقانا من كلما صنع حقيقة جلية

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي خالد ،،

إن كان هناك إجحاف في المقارنة بين الإنسان كآلة مصنوعة من خالق والسيارة كآلة مصنوعة من الإنسان، فإن الإجحاف هو بحق السيارة وصانعها وليس العكس كما تعتقد. والسبب بسيط وكنت أظن أنني قد أوضحته من خلال الطرح، وهو:

عندما يؤدي الإنسان عمل كصناعة سيارة، فبسبب عدم تكامله كمخلوق وغياب العصمة عنه فهو معرض للخطأ، وهذا ينعكس على أدائه وإنتاجه. ولكن عندما تؤدي ذات متكاملة، لامحدودة العلم والقدرة عمل ما فإنتاجها لابد أن يعكس خصائصها تلك فيكون إنتاجها متكامل. ولكن هذا ليس مانجده في أي من مخلوقاتها ... إن كانت هي المسؤولة.

المقارنة مجحفة للإنسان بمقارنته مع الإله.

ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

أبو عصعص aboasoos ،،

بجانب أن شتيمتك هذه عقابها 80 جلدة على مؤخرتك حسب الشريعة التي تسير عليها، فقد كشفت لنا مستوى أخلاقك كمؤمن غيور على دينه. هل تستطيع الآن أن ترينا مستوى ذكائك وترد على النقاط المطروحة في البوست، أم أن هذا كشف آخر لمستوى عقلي تفضل إخفائه؟

غير معرف يقول...

انت عبقري
بس كنتعايز اقول ان الانسان من قديم الزمن والبيئة من حوله متغيره وليست ثابته والاسباب متعدده لكن كل شىء خلق بهيئة حسنه وقابله للتأقلم في البية التي يتواجد بها. في القديم كانت البيءة غنيه بالاكسجين والاغذيه الطبيعيه فكان عمر الانسان يتخطى مئات السنين اما الان وبعد انخفاض مستوى الاكسجين وزياده مستوى التلوث والاطعمه المصنعه وغيره من العوامل تأثر جسد الانسان وقل عمره وزادت "أعطاله" لكنه في الأصل خلق بهيئة حسنه وبجوده ممتازه فلا يوجد جهاز يستطيع البقاء مئات السنين مقارنة بما كان يحدث في الماضي.

وشكرا

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

كلامك بخصوص عمر الإنسان وتأثير البيئة عليه غير صحيح ويخلو من أي سند علمي. لاتوجد أي دلائل تثبت أن الإنسان كان يعيش مئات السنين في السابق. في الواقع أن عكس ماتقوله هو الصحيح، أن الإنسان يعيش اليوم مدة أطول مما كان يعيشه أي من أسلافه.

والإنسان كما أوضحت في عدة مقالات في هذه المدونة ممتلأ بالعيوب، من شبكية عينيه إلى خصيتيه إلى قصبته الهوائية إلى هشاشة جسده.

لك تحياتي