الخميس، 19 مايو 2011

قنبلة ستيفن هوكنغ

::

وفقاً لهذا الخبر المنشور في جريدة الأنباء، الدكتور الكويتي سعد العنزي، الذي لم أسمع بأسمه من قبل إنما يبدو أن له مرتبة لاهوتية كافية لتنصيبه كمحور للمقالة، مستاء.
ومن ماذا مستاء محور مقالة جريدة الأنباء الدكتور سعد العنزي؟
الدكتور سعد العنزي محور مقالة جريدة الأنباء مستاء من أقوال الدكتور ستيفن هوكنغ.
ولماذا يستاء الدكتور سعد العنزي من أقوال الدكتور ستيفن هوكنغ؟
لأن الدكتور ستيفن هوكنغ قد أنهى فترة سكوته فيما يخص اللاهوت وصرح علناً، عينك عينك، بأنه لاتوجد حياة بعد الموت. وهذه ترجمة لنص الفقرة المسيئة من كلامه:

"أنا أعتبر المخ كالكمبيوتر الذي سيتوقف عن العمل حين تتعطل أجزائه. إذ لاتوجد جنة أو حياة ماورائية للكمبيوترات التالفة، فهذه قصة خيالية لمن يخاف من الظلام" .. 

مما عكر مزاج المؤمنين في جميع أصقاع الدنيا (الوحيدة) ومن ضمنهم الدكتور سعد العنزي. 
ولماذا يتعكر مزاج الدكتور سعد العنزي لمجرد أن الدكتور ستيفن هوكنغ،  الذي يختلف عنه على أي حال إختلاف البالغ من الطفل في الأفكار والتوجهات والقناعات ويعلو عليه علو الجبل عن السهل في المؤهلات ويبعد عنه جغرافياً بآلاف الكيلومترات، عبر عن رأيه؟

سوف أشرح لكم لماذا:

لأن الدكتور البروفيسور ستيفن هوكنغ ليس دكتور في العلوم اللاهوتية، تلك العلوم التي تتربع بافتخار على قمة هرم المعارف العقيمة والتخاريف القديمة، علوم الحفظ والتلقين والطقوس والمراسيم، علوم كثر الذبح والقرابين وفقر الحجج والبراهين، العلوم التي يتدكتر فيها سعد العنزي، بل هوكنغ هو أستاذ نابغة وباحث جبهذ في العلوم الفيزيائية، أم العلوم الطبيعية، أساس العلوم الرياضية التجريبية الصعبة التي تحتاج إلى إدمغة واعية صاحية تعمل وليس إلى عقول مخدرة نائمة تكسل، العلوم التي صححت للبشرية الحاضرة أخطاء معتقدات أسلافها الراحلة، أن الأرض قد خلقت في يومين والكون في أربعة أيام. فعندما يدلي مثل هذا الإنسان الذي يحمل مثل هذه المؤهلات بتصريح ما، تشرئب لتصريحه الأعناق في كل مكان، وهذا يشمل عنق الدكتور سعد العنزي في الكويت.

تصريح ستيفن هوكنغ كما ذكرت، لم يستاء منه سعد العنزي فقط بل أزعج شريحة كبيرة من المؤمنين الذين كرسوا حياتهم في التحضير للإنتقال من هذه الدنيا القصيرة الفانية إلى  عالم المروج والقصور الباقية، فأي تصريح يصدر من عالم بمرتبة هوكنغ ليهز هذه القناعة لابد أن يكون وقعه ثقيل على نفسية المؤمن بها.

إنما بصرف النظر عن الإستدلالات المنطقية والفلسفية واللاهوتية التي تشير كلها إلى عيوب وخلل وتضارب في المبادئ والمفاهيم الدينية، الأخروية بالذات محل النقاش، فإن ستيفن هوكنغ لم يعبر عن تصريحه هذا بالإستناد إلى هذه الإستدلالات، وليس هي نابعة عن أهواء أو جحود أو إنكار كما يعزيه من يتمتع بالضحالة الفكرية ويفتقر إلى المعلومات العلمية، إنما هو مبني على حصيلة تجمع روافد معرفية علمية من عدة تخصصات ضمن العلوم الفيزيائية: الفيزياء الفلكية، الفيزياء الكوانتية، الفيزياء النووية، تصب كلها في حوض نظرية تسمى بنظرية-إم  M-theory  تقدم لنا ضمن إطار رياضي يزداد دعماً وقبولاً من المجتمع العلمي تفسيراً لماهية الكون، وبالتالي الوجود، وكيف أتى.

هذا الإطار المعرفي يشير إلى أن الكون لايحتاج إلى مسبب رباني ليخلقه، فالوجود نفسه يخضع لقوانين طبيعية تتحكم في نشاته وتطوره ومصيره، ونشأتنا وتطورنا ومصيرنا معه كوننا جزء صغير تافه منه، وبالتالي وجود الإله من عدمه لايعني شيئ. وهذا الإستنتاج يزعزع، إن لم يناقض، فكرة وجود حياة بعد الموت، وعلى هذا الأساس لايؤمن ستيفن هوكنغ ولاأغلب العلماء، بالماورائيات.

والسؤال المطروح في الساحة العلمية والذي لطالما لوح به المؤمن والذي ينبثق من الكلام أعلاه هو: من أين جائت هذه القوانين الطبيعية التي تتحكم بالكون؟ فلابد أن يكون لها مسبب.

والإجابة على هذه السؤال تقدمه نظرية-إم، إذ أن أحد أهم إستنتاجاتها هو أن الكون الذي نعيش فيه هو جزء صغير من وجود أكبر هائل يتكون من أعداد لامحدودة من أكوان أخرى تظهر وتتوسع كما تظهر الفقاعات وتكبر في الماء المغلي، لاتحتاج إلى بداية وليس لها نهاية. وكل كون في ذاك الوجود العظيم له قوانين وخصائص تختلف عن نظيراتها في الأكوان الأخرى، وتتحكم فيه بطريقة يختلف فيها كل كون عن آخر.

هذه فكرة تزداد قوة ودعماً مع تقدم الأبحاث وتجدد الإستكشافات، فمثلاً إستكشف إليكساندر كاشلينسكي أحد علماء ناسا دلائل تشير إلى وجود جسم هائل آخر خارج كوننا هذا يُفرض جاذبيته على جزء من كوننا، من المحتمل أن يكون كون آخر، وقد كتبت عنه موضوع سابق تجدوه هـنـا. كما أن ستيفن فيني من جامعة لندن إستكشف مؤخراً علامات أخرى تختلف عما وجده كاشلينسكي إنما تشير إلى أن كوننا هذا قد إرتطم بأكوان أخرى في حقبة مبكرة من تاريخ نشأته.

فكما ترون، عندما يطلق إنسان في مرتبة ستيفن هوكنغ العلمية تصريح مثل هذا فهو لايلقي الكلام على عواهنه، إنما يسند كلامه بأهم آلية متواجدة عند البشر للبحث عن الحقيقة: الآلية العلمية ... 

وهذه الآلية تشير إلى عدم الحاجة إلى إله وبالتالي عدم وجود حياة بعد الموت ... وهذا ما يستند عليه ستيفن هوكنغ في تصريحه، فإلى ماذا يستند سعد العنزي في تفنيده؟

إلى أقوال التراث التي ليس لها أي دعم أو سند علمي ... إطلاقاً.


* * * * * * * * * *

هناك تعليقان (2):

ماجد يقول...

أفضل مقال قرأته في نقد العقلية اللاهوتية عندما تحاول نقد النتائج العلمية. أشكرك على هذا المقال.

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي ماجد ،،

أسعدني إستحسانك للمقالة وأشكرك بدوري على مرورك الكريم وكلماتك اللطيفة.

ولك تحياتي