الاثنين، 21 فبراير 2011

عدنان كان يراقبنا

::
عندما كنا نلعب كرة القدم على تراب الساحة في حيّنا القديم، عدنان كان يجلس على عتبة باب بيته عن بعد منا يراقبنا ..
وعندما كنا نلعب صيده مصيده(1) في تلك الساحة، عدنان كان يجلس على نفس العتبة يراقبنا ..
وعندما كنا نذهب كجماعة من الأطفال إلى الجمعية التعاونية لشراء الحلو، عدنان كان يجلس في نفس المكان يراقب ذهابنا..
وعندما كنا نأتي من الجمعية، عدنان كان لايزال يجلس في مكانه يراقب قدومنا.

عدنان لم يشترك ولامرة واحدة معنا في لعبنا، ولم يصاحبنا ولا مرة واحدة في ذهابنا ولم يأتي ولامرة واحدة للترحيب بنا في قدومنا. لم يكلم أحد منا عدنان قط، ولم يتكلم هو مع أحد منا أبداً.

عدنان كان محبوس في فقاعة نفسية من العزلة، تمنعه من الخروج إلينا وتمنعنا من الدخول إليه.

كنا أطفال، مابين الثمانية والعشر سنوات من العمر، وعدنان كان طفل أيضاً من نفس أعمارنا. وسبب عزلة عدنان عنا أننا كنا كلنا أصحاء نمشي ونجري ونقفز، وعدنان، الطفل النحيل الوحيد الصامت، كان معاق منذ ولادته لايستطيع المشي، فكان يزحف على الأرض لدخول البيت ويزحف للخروج منه. وإعاقته تلك وضعته في فقاعة من العزلة والوحدة، وحصرته على المراقبة والتمني فقط، وحرمته من المشاركة في اللعب، وسلبت منه الثقة حتى على المخاطبة، فكان يقضي أغلب أوقاته جالس على عتبة بيته الإسمنتية يراقبنا صامتاً ... ويتمنى.

صورة عدنان، الطفل الصغير القابع على عتبة بيته يحدق بنا، لازالت تومض في مخيلتي منذ طفولتي. لاأدري لماذا كنا نتجاهله، ولاأريد التوغل في سايكولوجية الأسباب، فهذه لها موضوع منفصل، ولكني أريد أن أتناول جانب آخر. جانب التناقض السافر مابين التفسيرات الثيولوجية المُجْهَدة لتبرير وجود مثل هذه المآسي، وهي مآسي كثيرة لاتحصى، والقوائم العلمية التجريبية التي تكشف وتوضح أسبابها الحقيقية ... وشتان مابين الإثنان.

الطفل عدنان، والكثير من المعاقين مثله، أطفالاً وبلوغاً، لم يعاني من الوحدة والتجاهل والحسرة ليُمتحن، أو ليُعاقب، أو ليُكافأ، أو لتحقيق حكمة لانعلمها، فهذه كلها تبريرات جوفاء مقتطفة من الهواء، لاتغني عن جوع ولاتعوض عن ماء، لايدعمها إلاّ الإيمان ... والإيمان فقط، فليس لها دليل وليس لها برهان.

إنما تفسيرها الغني المشبع عقلياً يأتي من المختبرات ... يأتي من العلم، نفس العلم الذي يستطيع إصلاح إعاقة عدنان ويشفي أمراض غيره. ولنرى السبب الحقيقي وراء هذه المآسي.

لاأعرف ماهي طبيعة إعاقة عدنان، ولذا لاأستطيع تناولها بالذات، ولكني أعرف أنها كانت خلقية، أي الأرجح أنها جينية. ولذلك سوف أطرح مثال آخر يعكس مشكلة أخرى جينية كنموذج لمثل هذه العلل حتى نفهم أسبابها ونكشف الحقيقة التي يتجاهلها، أو الأصح يجهلها، التراث.

في الفيديو كليب أدناه طفلة إسمها جوليانا تعاني من مرض خلقي  جيني أسمه تريتشر كولينز سيندروم  Treacher-Collins Syndrome. وهذا مرض يسبب تشوهات في الوجه تنتج عن غياب عظام الوجنة مما يؤدي إلى انسياب العينين ونزول أطراف الرمشين إلى الأسفل وصغر حجم الفك السفلي وتشوه في الأذنين. وفي بعض الحالات الحادة يكون التشوه المتسبب عنها مروع، كما ترونه في الفيديو.

وقد قلنا أن أسبابه جينية، فماذا يعني هذا؟

يعني أن هناك خلل في الجينات، إما أن الخلل يكون موروث، أو أنه مكتسب. فإذا كان مكتسب، فهذا بدوره يعني أن خلال عملية نمو الجنين في الرحم، وخصوصاً في مراحل إنقسام الخلايا الأولية بعد تلقيح البويضة، يحدث خطأ  Mutation  في تركيبة الجينات التي تشكل عظام الوجه، فبدل أن تتركب الجينات بطريقة سليمة لتشكل عظام الوجه بطريقة سليمة، تتركب الجينات بطريقة خاطئة فتركب بدورها عظام الوجه بطريقة خاطئة، وتنتج طفل بدون عظام الوجنة. وهذا مايحصل في الأمراض الخلقية، وراثية كانت أو متكسبة، أن تركيبة الجينات يحدث فيها خطأ!!!

تتوجه الجينات إلى مكانها لتتركب بطريقة صحيحة لتركب أعضاء البدن بطريقة صحيحة ... فتخطأ مكانها الصحيح وتتلخبط!!!

تتلخبط؟؟؟
نعم تتلخبط!!!

هل هذا تصميم فانتاستك؟
أي هل هو: رائع؟ باهر؟ عظيم؟
تأتي الجينات لتركب الإنسان ... فتتلخبط؟

لاتحتاجوني أن أقول لكم أنه ليس بتصميم باهر، بل هو تصميم خائب ... لا، ليس بتصميم خائب، بل الحقيقة أنه دليل آخر على عدم وجود تصميم أصلاً. فهذا مايتوقع إذا كانت العمليات العضوية للحياة بأكملها تجري بدون مشرف عليها، مشرف يراقبها ليتأكد من عدم حدوث أخطاء في عملية التصنيع تؤدي إلى مآسي مثل مأساة عدنان وجوليانا والكثير، الكثير غيرهم. ودليل آخر يثبت أن الحياة بأكملها على المستوى الجيني ماهي إلاّ آلية ميكانيكية كيميائية معرضة للخطأ والتلف كما نرى من حولنا.

والتبريرات الثيولوجية التي تعزي هذه المآسي إلى كونها إختبار أو أنها عقاب أو ثواب، تُظهر جهل شديد ونقص حاد في فهم الأسباب الحقيقية الكامنة ضمن التركيبة البشرية الناقصة الغير متكاملة والمركبة بطريقة إرتجالية ترقعت خلال ملايين السنين بواسطة التجربة والتصليح.

ولاتزال عملية الترقيع مستمرة، تفلح وتخفق، كما أثبتت مأساة عدنان وجوليانا وغيرهما الكثير. 
  
تنيبه: الفيديو يحتوي على مشاهد لوجه طفلة مشوه.


(1) صيدة مصيده = لعبة أطفال يركض الطفل وراء الأطفال الآخرين لاصطياد أحدهم.

* * * * * * * * * *
تأثير الطفرة الجينية على الإنسان. تأثير الطفرة الجينية على الأمراض. تأثير الطفرة الجينية على النمو. تأثير الطفرة الجينية على الجسم. تأثيرالطفرة الجينية على الحيوانات. تأثير الطفرة الجينية على الصحة. تأثير الطفرة الجينية على تطور الإنسان. تأثير الطفرة الجينية على نمو الجنين. تأثير الطفرة الجينية على نمو الطفل. تأثير الطفرة الجينية خلال الحمل. تأثير الطفرة الجينية على الحياة. علاقة الطفرة الجينية بالنمو. هل ماهو تأثير الطفرة الجينية على نمو الجنين. ماهو تأثير الطفرة الجينية على الحياة؟ ماهو تأثير الطفرة الجينية على الإنسان؟ ماهو تأثير الطفرة الجينية على الأمراض؟ هل تسبب الطفرة الجينية الأمراض؟ هل تسبب الطفرة الجينية أمراض؟ ماهي الأمراض التي تسببها الطفرة الجينية؟ ماهي الأمراض التي تتسبب عن الطفرة الجينية؟ ماهي علاقة الطفرة الجينية بالوراثة؟ ماهي علاقة الطفرة الجينية بالأمراض الموروثة؟ هل تسبب الطفرة الجينية الأمراض الموروثة؟ 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

طبيعة عملي هي تصميم اجهزة الكترونية .. ومهما حرصنا في تصميمنا لجهاز ما .. نجد بعد التنفيذ هناك مشاكل او تظهر مشاكل جديدة لم نكن قد اخذنا حسابها لذلك نظيفها للتصميم وهكذا .. نحاول دائما ان نجعل من التصميم مثالي .. عدم وجود الكمال هو اكبر دليل على عدم وجود اله .. فلو كان هناك اله فاهم ذكي لا ستطاع ان يصنع تصميم يتماشى مع كل الظروف وهذا ما لم ولن يحدث .. تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي نزار ،،

مثال تشبيه عدم كمالية تصميم الأجهزة الألكترونية بعدم كمالية الكائنات الحية مثال دقيق ومعبر، ولابد أنه يثير تساؤل أي إنسان مفكر: لماذا صممت الطبيعة وليس الإنسان فقط (على افتراض انها صممت) ممتلئة بالنواقص والعيوب إن كانت من خالق كامل لايصدر عنه إلاّ الكمال؟

وتقبل تحياتي

وتقبل تحياتي