الثلاثاء، 20 يوليو 2010

أبو آدم تحت المطر

::



لاحظت خلال الأسابيع الماضية أن قريحتي للكتابة لاتنفتح إلا مع انفتاح شهيتي للطعام. أرجوا أن تكون هذه الظاهرة مجرد صدفة متكررة، وألاّ تتطور إلى عادة أضطر معها إلى تجويع نفسي كلما أردت أن أخط بعض السطور. فهذا رابع أو خامس موضوع، في الأسابيع الأخيرة، أكتبه خلال فترة الغداء حين يبدأ برعم الفكرة بالبزوغ قبيل الأكل، وهاأنا الآن مرة أخرى أرقص أناملي على اللابتوب المتطفل بجلوسه على طاولة طعامي.

بالأمس كنت أقاوم صخب الشارع وقرع الأطباق في المقهى لأكتب، واليوم دقات الساعة المعلقة على الحائط خلفي وطرقات المطر على زجاج النافذة أمامي، والإزعاج في كلتا الحالتين متساوٍ رغم فرق الحدة، إذا تنبهت له الحواس. ولايعينني على الإلهام شرود لمحاتي إلى منظر الغابة الخرسانية الممتدة عبر نافذتي من الأفق إلى الأفق، إذ لاأرى منها إلاّ رؤوس جذوع شاحبة من الطوب والإسمنت تنتشر على مرمى البصر، تظللها عباءة قاتمة من السحاب وتكتنفها العتمة والضباب. فالطقس اليوم غائم مكتئب، وسوف يظل على عبوسه هذا إلى نهاية الأسبوع، يثني عن الخروج من أراد التنزه في مروج الطبيعة إلاّ من عزم على التجوال تحت المطر، وهذا ماسوف يضطر جيمس أن يفعله في عطلته إذا لم يرغب البقاء في كوخه.

جيمس ليس الوحيد الذي سوف يعيقه الجو من تحقيق الهدف الذي ذهب في عطلة لأجله، وهو التنزه في ربوع الأرياف مع زوجته، ورسم خطة موحاة من همسات الطبيعة لترشده في متاهات أيامه العصيبة. إذ قد سبقته أجيال من قبلها أجيال من البشر ومن أنصاف البشر في صراع يومي مع عوامل قاسية وحشية، لاتعرف معنى للرحمة أوالرجاء ولاتهتم لمخلوقات تكافح من أجل العيش والبقاء.

فكلما انقلبت الأجواء، ورعدت السماء، وزمجرت الرياح، وانكب ماء السحب، سرح فكري إلى أجداد كانوا يسكنون الكهوف، وقبلهم أجداد كانوا يسكنون الشجر، لايقيهم من مطر السماء ولا برد الشتاء إلاّ مانبت على جلودهم من شعر. فأين كان ياترى موقع آدم وحواء بينهم؟ هل نعتبرهما جزء من تطور الكائنات، أم أنهم خلقا وأُنزلا بمعزل عما كان يحدث لها - أي أنهما لايمتّان بصلة لباقي المخلوقات؟

هذا سؤال أعيا تفكير الفلاسفة والعلماء المتدينين منذ أن باح داروين بسره، ولاأقصد هؤلاء المفكرين الذين قبلوا التطور كتفسير لوجودنا على هذه الأرض ورفضوا قصة الخلق التوراتية/القرآنية، إنما تلك الفئة القليلة من العلماء والمفكرين الذين قبلوا التطور ولكنهم لازالوا يتشبثون في مفاهيم نقشت على عقولهم منذ الصغر، فلاهم يستطيعون محوها ولارفض ماغدى الآن حقائق ثابتة وليس مجرد وجهة نظر.

لن أتطرق في باقي المقال إلى الدلائل التي تدعم نظرية التطور الداروينية، لأنها أسهب مما يمكن تكثيفه في مقال، ولكن للقراء الذين لايزالون يرفضون هذه الحقيقة لاأملك إلاّ أن أقول: التطور حــقــيــقــة علمية واقعة مفروغ منها، وكل مايُقال عنها، عادة مزاعم من المتدينين وليس من العلماء، بأنها خاطئة أو مرفوضة أو لايوجد لها أدلة ماهو إلاّ :

تــلــفــيــق وكـــذب ســااااااااااااافـــر

فلها أطــنــان من الأدلة التي تدعمها، ولايوجد دليل واحــــد ينقضها ... إنتهينا. نأتي الآن إلى "الحيص بيص" والتخبط الذي وجد بعض المفكرين أنفسهم فيه، من الذين لازالوا يتشبثون في واقعية قصة أدم وحواء ونزولهما من الجنة إلى الأرض. فكيف يمكن التوفيق بين خلق آدم وحواء في صورة بشرية كاملة وبين تطور الكائنات البطيئ الذي بدأ من خلايا وحيدة واستغرق مليارات السنين حتى أدى إلى ظهور الإنسان؟ هناك إحتمالان:

إما أن آدم وحواء شخصيتان حقيقيتان خُلقا على هيئة البشر كما نحن عليه الآن وأُنزلا في حقبة ما من التاريخ الجيولوجي خلال عملية التطور التي أستغرقت مليارات السنين، بدون أي خلط لجيناتهما مع جينات باقي الكائنات التي تتطور. أو أن قصة خلق آدم وحواء في الكتب الإبراهيمية ومنها القرآن لم تحدث البتة كما هي مرسومة في النصوص إنما هي مجازية خيالية تُأوّل إلى التطور، وهذا في الواقع موقف الفاتيكان والذي يمثل نصف المسيحيين في العالم وموقف الكثير من الطوائف المسيحية الأخرى.

إن كان آدم وحواء شخصيتان حقيقيتان حسب القصة القرآنية/التوراتية، ولهما جيناتهما الخاصة، فمعنى هذا أن جميع البشر، كما يؤمن المسلمون وقسم من المسيحيون واليهود، ينحدرون من شخصين، والدلائل على ذلك سوف تظهر بالتأكيد في الجينوم البشري.

في الواقع أنها لم تظهر، بل أن الأدلة الجينية في الجينوم البشري تشير إلى "بحيرة" من الجينات تشترك فيها عدة فصائل عاشت في حقبات مختلفة من الزمن وليس شخصان فقط عاشا في نفس الوقت، والأسوء للقصة القرآنية أن الجينات البشرية تشمل جينات حيوانات عاشت قبل ظهور الإنسان نفسه. فكيف تتكيف فكرة شخصان نزلا في خضم معمعة التطور إن كانت الأدلة الجينية تتعارض مع تلك الفكرة وتدعم التطور؟

نأتي إلى الإحتمال الآخر، وهو ماتتبناه الكثير من الطوائف المسيحية الآن (بعد رضوخها وقبولها لحقيقة التطور أمام أطنان من الدلائل على صحتها)، وهو أن قصة آدم وحواء مجازية لم تحدث في الحقيقة، أي أن آدم وحواء لاوجود لهما بل هما دلالة رمزية على خلق الإنسان والذي حدث بواسطة التطور.

هذه الفكرة تتمتع ببعض المعقولية، وقطعاً تزيح مشكلة الأدلة العلمية التي تناقض وجود شخصين كأصل للأنسان، ولهذا السبب تبنتها الطوائف المسيحية كأقل الإحتمالين سوءاً للدين. إنما لها ضعف مميت يصيبها في مقتل، وهو أنه لو قبلنا أن آدم وحواء هما شخصيتان مجازيتان لم يكن لهما وجود، فماذا عن باقي الشخصيات التوراتية/القرآنية، مثل إبراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والشخصيات الأخرى المذكورة؟ هل هم مجازيين أيضاً؟

الإحتمال الأول لاتدعمه الجينات بل تناقضه، وإن قُبل الإحتمال الثاني والذي يتفادى مشكلة الجينات، فخطورته على المفاهيم التقليدية للعقيدة القرآنية لاينحصر على بعض الشخصيات المذكورة في تلك الكتب فقط إنما على المفاهيم الدينية برمتها، لأن العجلة المجازية لن تقف عند آدم وحواء بل سوف تستمر لتدهس الكل، فما الذي يمنع أن باقي الأنبياء والرسل والملائكة وإبليس والجن والحور العين والجنة والنار كلهم لايتواجدون في الحقيقة، إنما هم مجرد مجاز؟

هذه المشاكل التي تصيب صميم العقيدة لن تعني المؤمن الذي خدر محيطه عقله وعوّده على التسليم والقبول، ولكنها سوف ترهق تفكير المؤمن الذي يرى الدليل ولكنه لايستطيع الفكاك به من قيود الموروث.
هل آدم شخصية حقيقية؟ هل توجد دلائل على حقيقة آدم؟ ماهي الدلائل على حقيقة آدم؟ أين كان يعيش آدم؟ لماذا لاتوجد دلائل على وجود آدم؟ هل آدم شخصية وهمية؟ متى عاش آدم؟ ماهي دلائل إنحدار البشر من آدم؟ هل آدم مذكرو في الإنجيل؟ هل يذكر الإنجيل آدم؟ أين يذكر الإنجيل آدم؟ هل تذكر التواره آدم؟ أين تذكر التوراة آدم؟ هل آدم وحواء مذكروين في الإنجيل؟ أين يذكر الإنجيل آدم وحواء؟ هل أدم وحواء مذكورين في التواره؟ أين تذكر التوراة آدم وحواء؟

هناك 11 تعليقًا:

الحمار الحكيم يقول...

أهلا بالعزيز


تسجيل مرور


مقال ممتع , سأقرأ المقالات السابقة اليوم


والعقل المستعان

DARWINIST يقول...

أخي بصيص ، لدي سؤال أود أن أطرحه عليك وهو هل المعلومة التي تقول بأنه إذا حصل التزاوج بين نوعين مختلفين من الكائنات الحية فإنه يجب أن يكونا متشابهين في ال genus على الأقل لكي ينجبا؟ و سبب طرحي للسؤال هو أن أحد العلماء في أحد أفلام ريتشارد دوكنز لمح إلى إمكانية حصول الانجاب إذا حصل التزاوج بين الإنسان و الشامبانزي(كان يشير إلى القرابة الكبيرة بيننا و بين الشامبانزي كدليل على وجود سلف مشترك)على الرغم من عدم تشابه الgenus بين الإنسان و الشامبانزي!!!

DARWINIST يقول...

فيما يتعلق بالضوضاء التي تزعجك يمكنك استعمال سدادات الأذن أو أن تستمع إلى موسيقى من النوع الذي يساعد على التركيز (طبعا استعمل سماعات الأذن) وأعتذر عن ألإطالة
لك مني أطيب التحيات

basees@bloggspot.com يقول...

أهلاً عزيزي الحمار الحكيم ،،

أسعدني مرورك ياعزيزي وأتمنى لك قرائة ممتعة

لك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي Darwinist ،،

لقد مررت على آراء بعض العلماء، وقد يكون ريتشارد ليكي هو العالم الذي رأيته مع ريتشارد دوكنز، التي ترى أن الإنجاب بين الإنسان والشيمبانزي ممكن الحدوث للتقارب الشديد بين الفصيلتين species بالرغم من اختلاف الجينَس genus .

هناك اختلاف بين العلماء فيما إذا كان الشيمانزي ينتمي إلى جينس الـ Pan القردي أو إلى الـ Homo البشري. وهناك اقتراحات بتغيير جينس الشيمبانزي من Pan إلى Homo مما سوف يعزز إحتمالية الإنجاب بين الفصيلتين.

وشكراً على إقتراحاتك لمعالجة الضوضاء، وأعتقد أن هذه مشكلة مزمنة أرى أن الأفضل هو التكيّف معها.

ولك تحياتي

Pure يقول...

مرحبا

أسلوبك في الكتابة
روائي ساحر وممتع
رغم بعض الأخطاء الإملائية

إن كنت مهتمًا بمعرفتها
سأذكرها لك بعد موافقتك


بالنسبة لقصة الخلق
نظرية داروين
رغم منطقيتها
فهي صعبة التصديق
(بعض الشيء)

أما قصة آدم وحواء
فهي تصلح للأطفال فقط

ورغم هذا وذاك
رأيي الشخصي هو
"لا أدري"

DARWINIST يقول...

أختي بيور أقترح عليك أن تشاهدي فيلم هل كان داروين مخطئ لتتأكدي من صحتها ستجدين الفيلم على هذا الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=kTISLYjKVqg
طبعا ستجدي بقية أجزاء الفيلم على الجهة اليمنى للشاشة، مدة الفلم لا تتعدى الساعة إن لم تخني الذاكرة،طبعا يكفي كدليل على صحة النظرية اعتقاد العلماء فيهاو تدريسها في الجامعات الكبرى بل وحتى في جامعات الدول الإسلامية.
حقا أمر عجيب ملحدة و لا تصدق نظرية داروين:)
تحياتي لك

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي Pure ،،

شكراً ياعزيزتي على الإطراء
وهل أستطيع منع "الأبلا" (المُدَرّسة بالمصري) من تصحيح أخطائي الإملائية؟
صححيها مع الشكر.

نعم، قصة آدم وحواء لاتصلح إلاّ للأطفال .. الصغار جداً، مما سوف يتركنا مع الخيار الوحيد:

نظرية التطور، بالرغم من صعوبة تصديقها.

لك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي Pure ،،

لك جزيل الشكر على تنبيهي للأغلاط الإملائية/المطبعية وقد تم الآن تصحيحها مع هذه الإستثنائات:

1- "أرجوا" تكتب مع الألف.

2- لاأقصد "أصناف" بل "أنصاف"

3- "عباءة" تكتب أيضاً "عبائة" و "الأسوأ" تكتب أيضاً "الأسوء"

إلاّ إذا كان لديك رأي آخر.

ولك تحياتي

Pure يقول...

عزيزي


أرجو .. أرنو .. يدعو .. تدنو ..
كلها لا تنتهي بـألف
لا مجال للشرح


عباءة .. براءة .. قراءة ..
لأن الهمزة مفتوحة
إن كانت مكسورة نكتبها عبائة


لا مجال للرأي في القواعد
اكسر القواعد إن رغبت
Rules r made to be broken

ولكن اللغة لا ينطبق عليها هذا القول

حلو؟

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي Pure ،،

"Rules r made to be broken
ولكن اللغة لا ينطبق عليها هذا القول"

أوووه بل ينطبق، صدقيني ... ينطبق

ولامجال للشرح

لك تحياتي