الثلاثاء، 30 مارس 2010

المصادم يصيب الهدف

::
هتاف وفرحة العلماء والطاقم الفني في غرفة العمليات بعد نجاح أول تصادم

تحقق اليوم في الساعة الواحدة ظهراً (بتوقيت جينيف)،  وبعد 24 سنة من بدأ تصميم وبناء المصادم الهدروني الكبير، أحد الأهداف الرئيسية الهامة التي بني لأجلها وهو تصادم للإشعاعات البروتونية بطاقة 7 تريليون فولت ألكتروني. وبهذا الحدث التاريخي الشامخ تبدأ التجارب الفيزيائية التي يعتزم العلماء من خلالها إلى دفع علومنا إلى آفاق جديدة ويأمل أن تؤدي إلى إستكشاف خبايا الكون وأسرار الخلق وأسباب الوجود.

وقد تم رصد هذه السلسلة من الإرتطامات التي تحققت بنجاح تام ودون أي مشاكل في جميع المراصد الأربعة المخصصة لتسجيل هذه الإرتطامات والموزعة على الحلقات الرئيسية للمصادم.  والأعداد الأولية التي حققها المصادم من هذه الإرتطامات بلغت المئة تصادم في الثانية،  ولكن يعتزم المهندسون برفع هذا العدد إلى أربعين مليون تصادم في الثانية خلال الأسابيع والشهور القادمة مما سوف يتطلب شهور وسنوات من التقييم والتحليل لنتائجها. وللقيام بهذه المهمة الضخمة والمعقدة، تم تخصيص مايقارب من المئتين مركز للكمبيوتر موزعة في شتى أنحاء العالم لمعاينة المعلومات الكثيفة المتدفقة واستخلاص أي استنتاجات يمكن التوصل إليها. ولكن بالرغم من قلة المعلومات خلال هذه المراحل المبكرة إلاّ أن بعض العلماء الذين رأووا بعض صورها الأولية وصفوها بأنها "مدهشة" وأشاروا إلى إختلاف طبيعتها عن أي صور أخرى أنتجتها التجارب السابقة، مما يبشر بآفاق جديدة في مجال علوم الفيزياء.

أحد الصور الأولية لنتيجة إرتطام البروتونات بطاقة 7 تريليون فولت ألكتروني داخل مرصد الأطلس،
وتشاهد فيه مسار الجسيمات الناتجة عن التصادم (الخطوط الإشعاعية وسط الأسطوانة)

ومن أهم الأهداف التي يأمل العلماء تحقيقها هي :

1-  إستكشاف طبيعة ومكونات الكون خلال الثواني الأولى من بعد تكوينه، ولتحقيق هذا الهدف يعزم العلماء على رفع حدة التصادم لتصل حرارته إلى 100,000 درجة مئوية.  وسوف يتم الوصول إلى هذه الحالة بواسطة زيادة طاقة التصادم والتي سوف تبلغ 14 تريليون فولت ألكتروني خلال السنوات القادمة.

2-  يأمل العلماء من إستكشاف أنواع جديدة من الجسيمات تثبت وجود أبعاد أخرى للكون كما تنص عليه النظريات الفيزيائية الحالية.

3-  إستكشاف جسيمات بوزون الهيغز الذي يعطي الأجسام المادية كتلتها وتنص عليه النظريات العلمية رغم أن جميع محاولات البحث عنه لم تتمكن إلى الآن في العثور عليه أو رصده.

في الحقيقة أن تحقيق هذا الإنجاز العلمي الباهر له أبعاد تتعدى مجرد الحصول على معلومات جديدة ودفع آفاق العلم والمعرفة وإن كان هذا هو الهدف، بل تعكس إستعداد ورغبة البشرية في جمع الشمل والتوحيد تحت مظلة واحدة تظمهم لخدمة أهداف تشترك في تحقيقها الإنسانية لخدمة الإنسانية غير عابئة باختلاف الجنس أو التقاليد أو الأعراف أو المعتقد. إذ يبلغ عدد العاملين على هذا المشروع بثلاثة آلاف بين عالم ومهندس وفني يمثلون 37 دولة. وتكفي مشاهدة التعاون القائم بينهم حتى يشعر الإنسان بالفخر والإعتزاز بالإنتماء إلى مجتمع مثقف واعي متعاون بمبعد عن تكتلات عقائدية بغيضة تعاني من عاهات فكرية موروثة تدفعها إلى كره وعداء وقتل الآخرين. 

ليست هناك تعليقات: