الثلاثاء، 17 مارس 2009

الرغبة في البقاء وحتمية الفناء

نتا

بعد أن أغمضت عيناها

لازالت ذكريات ذلك اليوم معلقة في مخيلتي ، تتأرجح بفكري من واقع الحاضر إلى صور وهمسات ذلك الصباح الراحل الذي ذهبت فيه زوجتي لتواسي أختها المحتضرة بعد أن نهش كبدها مرض السرطان وهي لاتزال شابة يانعة لم تتعدى العقد الثالث من عمرها وأدخلتها في صراع إشتبكت فيه مع خلايا بدنها في معركة قد حُسِم مصيرها قبل بدئها. هذه الخلايا التي عقّت صاحبتها وثارت عليها لتنتشر هائجة مسعورة تنهش بأعضائها غير مكترثة بما تدمره وغير عابئة بنفسها حتى أوصلت التلف إلى حال لايمكن إصلاحه لابدعاء ولابدواء.

لم يتبقى لديها في الحياة ذلك اليوم الكئيب إلاّ بضع ساعات قضتها متمددة على فراشها ، تتمتم تارةً فيها ببعض الكلمات تجاوباً مع زوجها وأولادها المحيطين بسريرها وتارةً أخرى تختلس النظر فيها إلى عقارب الساعة الجالسة على عتبة النافذة أمامها وهي تدور في عد تنازلي تنحسر في كل دقة منها لحظة مماتبقى من عمرها. لازالت صدى همسات زوجتي وأنينها يرن في أذني عندما كانت تروي لي أحداث ذلك اليوم وعيناها تترأرقان بالدموع كيف أن أختها في آخر لحظات من حياتها فتحت عيناها من بعد غفوة قصيرة والتفتت إليها وإلى زجها الجالس بجانبها مُهَمهِمَة بكلمات أكبتها لضعفها الصمت السائد في الغرفة وحنت برأسها بعدها لتنظر إلى أولادها للمرة الأخيرة وتبتسم لهم مع انزلاقة دمعة انحدرت من طرف عينها لتبلل وجنتها قبل أن تختفي بين ثنايا شعرها ثم عادت بطرفها مرة أخرى لتحدق بالساعة لوهلة والسماء الزرقاء من خلال النافذة ورائها لبضع لحظات قبل أن تغمض عيناها للمرة الأخيرة وتتوقف أنفاسها وتنزلق إلى السبات الأبدي المرتقب.

ولازالت ذكرى تلك الأمسية التي دخلت فيها إلى غرفتها التي منها فارقت الوجود لتحلق في سماء الفناء وتجول في أفق العدم تاركة ورائها كيس من الخلايا البائدة تناظرها في الصورة وتخلوا من أي وعي أو إدراك ، تومض في مخيلتي. تلك اللحظة التي نظرت إليها وهي ممددة في نعشها كأنها إنساناً نائماً لايختلف في منظره عن أي حي أخذته غفوة يُنتظر زوالها لينهض منها. إلاّ أني كنت أعلم أن هذه ليست بغفوة يُفاق منها بل إندثار ينتظر كل حيٍ مهما طال عمره أو قصر. وكيف جلست في صالة التعزية أحدق في باب غرفتها الذي يخفي ورائه عالم سيريالي مقيت ، يجمع بين دنيا الواقع وعالم الفناء وأخاطب نفسي :

"سوف أرقد يوماً ما في مثل هذا النعش"
وأصمت لوهلة ، ثم أسترسل هامساً لنفسي :
"كم تبقى لي في هذه الدنيا ياترى ؟"

إفتحوا الآن عيونكم

يصل معدل عمر الإنسان في الدول المتقدمة إلى العقد الثامن ولايتعداه إلاّ فيما ندر. أما في الدول النامية والفقيرة فالمعدل أقل من ذلك ، وفي بعضها ، بعدة عقود. ومن المؤكد بأن الكثير منّا قد جلس وطرح على نفسه ، ولو ممتعضاً ، هذا السؤال : كم تبقى لي من العمر في هذه الدنيا ؟ فالبرغم من أن هذا ليس سؤال يُشعر بالأمان أو يُبعث بالطمأنينة مهما كانت التوجهات العقائدية للمتسائل ففطرة الإنسان تكره المجهول ، والموت هو دربه المحتوم. ولكن من دفعته ظروفه أو جرأته على الخوض في مثل هذه التساؤلات سوف يُدرك أن ماتبقى من وقته في هذا الوجود لن يتعدى طرفة عين من أبدية الكون. وسوف يفوق من هجوع اللامبالاة ليسأل ماتسائل عنه الكثير من المفكرين قبله كقس بن ساعدة الأيادي حين أخذ ينادي : " ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تُركوا هناك فناموا". إذ لم يرجع إلينا أحد من ذلك العالم الماورائي المجهول ليأكد لنا أهو وجود آخر أم هو اندثار وفناء. وحيث أن جذور أمل الخلود لم يزرعها في عقولنا غير موروث فكري أخفقت محاولات العلم إلى اليوم في إثباته ، فيبقى أمل الحياة بعد الموت محصور ضمن حوائط اللامحتمل ويظل شبح الفناء الأزلي المحتمل طليقاً متربصاً بنا عبركل شارع نقطعه وتحت كل صخرة نتعثر بها وعلى متن أي مرض يصيبنا أو أي خلية تثور علينا كما ثارت خلايا أخت زوجتي عليها فأردتها قتيلة باترة خمسون سنة من عمرها كانت تتطلع إلى قضائه مع أولادها وأحبابها وتعيش لتنهل آخر قطرة من حلوه أومُرّه.

قد يجد المؤمنون بعض العزاء والسلوى من التشبث في موروثهم الديني ووعوده بالخلود ، ولكن لن يخفي عن المفكرين منهم أن هذا التمسك وإن بدى عن قناعة فلن يغدو عن كونه مجرد إنتماء للبيئة التي وجدوا أنفسهم فيها ، مسلمة ، يهودية ، مسيحية كانت أو أي ملة أخرى. وسوف تظل الأسألة المرعبة قائمة ، تفلت من كبت الإيمان لها حين يوهن لتطل عليهم وتهمس في آذانهم :

ماذا لو لم يكن هناك حساب أو عقاب ؟
ماذا لو لم يكن هناك شئ ... حتى إله ؟


حقاً ، ماذا لو لم يكن ؟ إذا لم يكن هناك حياة بعد الموت ، ولايوجد أي إثبات لها خارج الموروث الديني ، فمعنى هذا أن الساعات التي قضاها المؤمن من يومه في الصلاة والدعاء وقرائة القرآن والكتب والتحفيظ و وحضور الندوات والخطب ومشاهدة القنوات ، والأموال التي أهدرها على الزكاة والخمس والحج والعمرة وزيارة الأضرحة ونشر الدعوات ، والنفس التي حَرَمَها من ملذات الموسيقى والرقص والخمر ومامُنع عنه من محرمات ، كلها قد ذهبت سدى في الهواء. هل تعلم مدى صغر إحتمال تواجدك في هذه الحياة ؟ إليك بعض الحقائق :

ينتج الرجل حوالي 500 بليون حيوان منوي في حياته ليست كلها صالحة أو قادرة على الوصول إلى البويضة لتلقيحها ولكن عدد الحيوانات المنوية التي بإمكانها التلقيح لايزال يعد بالبلايين. هذا يعني أن احتمال قدومك أيها القارئ من العدم إلى الحياة يعادل واحد إلى عدة بلايين ، ولو اخترق أي حيوان منوي آخر غيرك بويضة أمك في تلك الوهلة لتشكل شخص آخر ولما أتيت أنت إلى الوجود. فتصور مدى ضئالة الفرصة التي سنحت لك بالتكوّن كإنسان. وحتى بعد ولادتك فلا يوجد أي ضمان يحفظك من الرجوع إلى العدم في أي لحظة من عمرك بسبب الحوادث والأمراض. فإذا كانت إمكانية وجودك في هذه الحياة وطول مدتك وضمان استمراريتك فيها بهذه الضآلة ، وأمل الخلود بعد الموت يقارب الصفر ، فالسؤال المصيري الذي يجب مواجهته هو : ماذا أفعل فيما تبقى من حياتي وكيف أقضيها ؟

من جملة الحقائق المؤلمة التي تتجلّى تدريجياً للإنسان حين يكتشف زيف عقيدته الدينية وبشرية مصدرها ، لعل أصعبها تقبلاً وأقساها مواجهةً هي إدراك عدم وجود حياة بعد الموت ومنها حتمية فنائه. لشخص نمى وترعرع على مبدأ البعث بعد الموت وأزلية الحياة بعدها في جنة كانت أو في نار ، يتحول الألم من بعد هضم الحقيقة ، إلى كابوس مرعب متكرر قد يُنقص الوقت من حدته ولكنه يظل جاثماً على صدر حامله لايتزحزح.

إذاً فهذا هو المصير . حين يغمض الإنسان عيناه لآخر مرة في هذه الحياة ، لن يكن هناك شيئ بعدها ، لانكراً ولانكير ولاحساب ولاعقاب ولاجنة ولانار. لاشيئ سوى الإنتهاء والفناء. ذكرياته بأفراحها وأحزانها ، شجونه وآلامه ، أمراضه وعلاته ، آماله وأهدافه ، بدنه وذاته سوف تنتهي كلها وتتلاشى بعد أن تنحسر آخر نهدة من صدره وتتوقف آخرنبضة لقلبه.

فماالعمل ؟

كيف قضيت ماسبق من عمرك ؟ وماذا تنوي عمله في ماتبقى منه ؟ لايوجد حلاً لمقاومة الموت فهو آت لامحالة وليس هذا القصد من السؤال ، إنما ماأعنيه هو ماذا نفعل بما تبقى من حياتنا حين ندرك أن هذه هي الفرصة الوحيدة التي مُنحنا لنتواجد فيها ؟ كيف تقضي حياتك ؟

هذا سؤال حاولت البحث عن إجابة له بدراسة جميع الخيارات المتاحة، ووجدت لدهشتي أنني كلما أمسكت بحبل من التفكير أوصلني إلى نفس النتيجة التي اتضحت في النهاية أنها لاتحتاج إلى سبر أذهان نوابغ الفلاسفة للوصول إليها، فهي بكل بساطة :

إستمتع بما تبقى من حياتك.



* * * * * * * * * *
أين يذهب الإنسان بعد الموت؟ هل توجد حياة بعد الموت؟ ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟ ماذا يحدث لجسد الإنسان بعد الموت؟ هل توجد جنة ونار بعد الموت؟ هل يوجد حساب بعد الموت؟ هل توجد آخرة بعد الموت؟ هل يوجد عالم آخر بعد الموت؟ ماهي دلائل وجود عالم آخر بعد الموت؟ ماهي أدلة وجود عالم آخر بعد الموت؟ ماهي الأدلة على وجود حياة بعد الموت؟ لماذا يفضل الإنسان الحياة على الموت؟ لماذا يكره الإنسان الموت؟ لاتوجد دلائل على حياة بعد الموت. لاتوجود إثباتات على حياة بعد الموت. هل رجع أحد بعد الموت؟ هل رجع أحد بعد أن مات؟ هل رأى أحد ماذا بعد الموت؟ هل رأى أحد ماذا يحدث بعد الموت؟ هل من الممكن رؤية مابعد الموت؟ لماذا يموت الإنسان؟ لماذا يميت الله الإنسان؟ ماهي دلائل وجود جنة أو نار؟ هل من الممكن تفادي الموت؟ هل استطاع أحد أن يتفادى الموت؟ هل الموت يعني نهاية الإنسان؟ هل الموت يعني نهاية البشرية؟

هناك تعليق واحد:

م - د مدى الحياة يقول...

المشكلة ان المؤمن المغفل انه يريد ان يربط مصير غيره بمصيره هو جبريآ بكل مايعشش بعقله الباطن المشوش من اوهام وخرافات الى درجة ان يمنع عن غيره حبآ بحياة الدنيا القصيرة الوحيدة المتوفرة لديه والذي وجد بها بضربة حظ ! ويجبره على حب العدم الذي هو حتمي والشوق اليه وكأنه ذاهب في نزهة في والت ديزني او في ربوع سويسرا !! ، وكذلك نسى او يجهل تمامآ بأنه لايوجد شيء في الحقيقة اسمه ساعة الموت ! او مثل ماقيل اذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون !! ، يعني على حسب عرف الأسلام الضيق بأنه لافائدة ترجى من محاولة علاج المريض بأي من الأدوية والتي قد تكون علاجآ فعالآ وانقاذه بشكل مؤكد من الموت حسب مفهوم صلعم الأمي الذي لاينطق عن الهوى !!! ، والدليل على بشرية القرآن هو زيادة متوسط الأعمار في الدول المتقدمة عما هي عليه في الدول العالم الثالث وبخاصة العالم الأسلامي ! وكذلك هي في ازدياد ! وهذا يناقض تمامآ كونه اذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون ! وهنا تكون فضيحة الدين الأسلامي بالجلاجل ! لأن كما رأينا بالمثال السابق شفاء وبقاء العديد من المرضى احياء وبالملايين عند علاجهم بالأدوية المناسبة في الوقت المناسب رغمآ عن الرب الوهمي ! بفضل الأدوية الحديثة التي اخترعها الغرب الكافر ومعها الجراحة الآمنة وبمساعدة نظرية شارلز دارون التي ادت الى ظهور الكثير من الأدوية واللقاحات الحديثة ! ، إذآ الأسلام يعمل ضد رغبة الأنسان في الحياة الحرة السعيدة القصيرة مقابل ترغيبه بالموت السرمدي وهو راضي ومطمئن كما تطمئن الدابة الوديعة الى جزارها ! .